المزيد من إرث الرئيس أوباما
سيغادر أوباما البيت الأبيض قريباً، مع أن رحيله هذا جاء متأخراً، وسيخلّف وراءه معمعة لا توصف في الشرق الأوسط، فما زالت الحرب الأهلية السورية مستعرة منذ خمس سنوات، ويخوضها عدد من المجموعات المسلحة التي يحظى كل منها براعٍ أجنبي، نتيجة لذلك تجد الولايات المتحدة نفسها عالقة في شبكة من تناقضاتها الخاصة.على سبيل المثال ساعدت القوات الخاصة الأميركية التوغل التركي في شمال سورية، مع أن الأتراك استهدفوا القوة الكردية السورية، التي تُعتبر الأكثر فاعلية في هذا البلد وتشكّل حليفاً للولايات المتحدة.تخشى تركيا أن يحاول أكراد سورية إقامة دولة صغيرة وربما التعاون مع الميليشيات الكردية، التي تمولها روسيا أحياناً، والتي يحاربها الأتراك منذ ثلاثة عقود، كذلك يخاف الأتراك حليف الولايات المتحدة المستقل، أكراد سورية، فضلاً عن الأكراد في إيران الذين يحلمون على الأرجح بدولة انفصالية.
اتهمت تركيا الولايات المتحدة بالتورط في الانقلاب الفاشل الذي نُفِّذ أخيراً ضد الحكومة التركية المنتخبة، مما دفع رجب طيب إردوغان إلى التقدم بخطى متواصلة نحو نظام حكم إسلامي، ويحمّل إردوغان فتح الله غولن، وهو داعية إسلامي وسياسي، مسؤولية هذا الانقلاب ويطالب بترحيله من الولايات المتحدة التي لجأ إليها سابقاً. علاوة على ذلك يتهم إردوغان الطيارين الأتراك في قاعدة إنجرليك الجوية المشتركة بين الولايات المتحدة، وتركيا، وحلف شمال الأطلسي قرب الحدود السورية بالتورط في الانقلاب الفاشل، لذلك عُلقت العمليات الأميركية ضد «داعش»، في الوقت الراهن على الأقل، ولا شك أن هذه خطوة مقلقة بالنسبة إلى المخططين في واشنطن، نظراً إلى نشر أسلحة نووية هناك. بالإضافة إلى ذلك عبَرَ الحدود التركية الجنوبية غير المضبوطة مئات الآلاف من المهاجرين (الذين هرب بعضهم من العنف والبعض الآخر من المشقة الاقتصادية) وهم في طريقهم إلى أوروبا، وحاول إردوغان الضغط على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للحصول على المزيد من المساعدة ومنح الأتراك حرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي مقابل منع عبور المهاجرين، إلا أن محاولته هذه انهارت، فتواجه ألمانيا صعوبة كبيرة في التكيف مع أكثر من مليون «لاجئ» دخلوها السنة الماضية بترحيب من ميركل.يواصل أوباما أيضاً التقرب من الملالي في طهران، فقد وقّع على ما قد يتحوّل إلى اتفاق لا يمكنه تطبيقه، هدفه وقف برنامج إيران النووي العسكري، وعُقدت هذه الصفقة قبيل تفاخر الملالي بنجاحهم في إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات يستطيع حمل سلاح نووي. كذلك خاض الرئيس الأميركي مناورات سرية لدفع 400 مليون دولار (كانت في الأساس جزءاً من صفقات أسلحة سابقة قامت بها حكومة رضا شاه بهلوي التي ساهمت واشنطن في الإطاحة بها) بغية تحرير أربعة رهائن، ويبدو أن إيران ستحصل على مليارات إضافية.لكن اللغز المحير يبقى: ماذا يظن أوباما وأصدقاؤه أنهم يشترون؟ تشكّل إيران اليوم أول دولة راعية للإرهاب في العالم، وقد تحالفت مع منظمات مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة اللتين تهددان إسرائيل، حليف الولايات المتحدة الوحيد الذي يمكنها الاعتماد عليه في المنطقة. شكّلت إسرائيل وتركيا حليفين في الماضي إلا أن تركيا تدعم راهناً حماس، عدو مصر وإسرائيل المشترك.لا شك أن أوباما لم يولّد هذه الحالة المُرّة والمتفجرة في الشرق الأوسط، إلا أنه ساهم بالتأكيد في تفاقمها إلى حدود غير مسبوقة. صحيح أن روسيا لا تزال قوة غير مكتملة من مخلفات الاتحاد السوفياتي، بيد أنها تعمل على بناء قواعد بحرية وجوية في سورية.لن نعرف مطلقاً ما إذا كان من الممكن لتهديد أوباما الباكر بالتدخل في سورية مع «خطه الأحمر» الأول أن يساعد في ضبط الفوضى في العالم الإسلامي، ولكن مما لا شك فيه أنه زاد الوضع سوءاً، ويسود اليوم الاعتقاد أن هذا التهديد، إن نُفذ، سيؤدي إلى انتشار الصراع خارج حدوده الحالية، ولا أحد يعلم أين سيقف.