لماذا لا نحب أنفسنا بما يكفي؟
يعني تقبّل الذات أن نتعامل بصدق مع نفسنا وندرك الحقيقة من دون تحريفها ونتجاوز البرمجات العقلية والمعتقدات الخاطئة. لكن قبل بلوغ هذه المرحلة، يجب أن نتوصّل أولاً إلى حب الذات.
{تشابك} حاد
نقع جميعاً ضحية العقد والمعاناة بسبب المشاكل الجسدية أو الفكرية والأوهام التي نطورها. يسمّم هذا الوضع حياتنا أو يمكن أن نستعمله كعذر لتبرير تصرفاتنا. تُصَعّب العقد ظروفنا وتتطلب منا أن نتخلص من غرورنا. تولّد أعمق العقد “تشابكاً” حاداً في داخلنا. تتفاوت درجات العقد لكن يمكن معالجتها, حين ندرك طريقة تشكّلها لأنها, قد تصبح خطيرة عندما تعيق التواصل مع الآخرين أو الاحتكاك بهم أو الإصغاء إليهم.لكن لا تتطابق العقد في معظم الحالات مع الواقع بل إنها تنجم بكل بساطة عن النظرة التي نحملها عن نفسنا. بشكل عام يبرز فرق شاسع بين الصورة التي نرسمها عن ذاتنا والواقع، وغالباً ما نعجز عن ردم هذه الهوة بين العالمَين.
عقد متكررة
في علم النفس، تُعتبر العقد مجموعة من المظاهر المؤلمة التي يصعب تحمّلها. لكن وفق الأفكار الشائعة، غالباً ما نربط العقد بشعور النقص الذي يتعلق بالشكل الخارجي (قلة جاذبية، سمنة...). لكن لا تُعتبر هذه العيوب عقداً بمعنى الكلمة بل تعكس مشاكل في تقبّل الذات ويمكن مقارنتها بأمراض النرجسية. يمكن أن نرفض في هذه الحالة بعض الجوانب التي تخصّنا (أنف، عينان، اسم، شهرة...) لأننا نشعر بأنها تشوّهنا. غالباً ما تتشكّل صورة خاطئة عن نفسنا منذ مرحلة الطفولة. لذا يصعب أن نتصالح مع جسمنا وروحنا لأن “الأنا” الداخلية تنشط في هذه الحالة.تراجع تقدير الذات
لماذا نرفض جسمنا أو عقلنا؟ تنجم هذه الاضطرابات عموماً عن الإرث الاجتماعي والتربوي الذي نتلقاه من أهلنا. تؤدي التربية دوراً حاسماً في نشوء العقد. تتحدد الصورة التي نحملها عن جسمنا بحسب مستوى الحب والتقدير خلال الطفولة. يجب أن يشعر الأولاد بأن المحيطين بهم يتقبلونهم كي يكسبوا الثقة بالنفس. لا مفر من أن يرفض الطفل حقيقته إذا شعر بأن والديه يريدان منه أن يكون ما ليس عليه. حين يشعر الطفل بأن الآخرين يطلقون الأحكام عليه طوال الوقت، قد يظن أنه مختلف عن غيره وقد يترسخ هذا الشعور لديه حين يلاحظ أن العالم من حوله يميل إلى تبني معايير ثابتة وموحّدة. يتراجع عدد الأشخاص الذين يتجرأون على مخالفة تلك المعايير. تنشأ العقد سريعاً لدى الأولاد. قد يتأثر الطفل طوال حياته بكلمة أو عبارة أو حركة بسيطة ظاهرياً. لذا يجب أن يمتنع المحيطون به عن التركيز على أي جانب سلبي إذا كان الطفل متأثراً أصلاً بهذا الموضوع. تكشف الانتقادات التي تطاول الوجه أو الجسم عن مشاكل عالقة على مستوى الهوية الشخصية أكثر مما تعكس عيوباً جسدية حقيقية. بعد مرور سنوات، قد ينسى المنتقدون كلامهم لكن يخوض الطفل حين يكبر صراعاً داخلياً قوياً.نقاط ضعف
لا تمنعنا العقد وحدها من تقبّل نفسنا أو تطوير حب الذات، بل تؤثر علينا إخفاقاتنا ونقاط ضعفنا أيضاً. حين نبدأ بالتعرّف عليها، يمكن أن نفهم طريقة نشوئها في تاريخنا الشخصي. بدل محاربتها أو كبحها، ما الذي يمنعنا من الاعتراف بجوانبها الإيجابية؟ يجب أن نعرف حدودنا ونتساهل مع نفسنا ونتقبّل المجاملات ونجد المساعدة المناسبة.من خلال التركيز على نقاط الضعف الكامنة في داخلنا أو المحيطة بنا، يمكن أن نكتشف حقيقة خفية ترتبط بالفترة التي حاولنا فيها إثبات قوتنا أو فضّلنا عزل نفسنا: نحن نتأثر بالآخرين طبعاً ولكل فعل من أفعالنا ثقله الخاص تجاه نفسنا وعلاقتنا بالآخرين. من دون تلك العلاقة الحيوية مع الآخرين، لن نتعرّف على حقيقتنا. لا نبدأ بإدراك هويتنا إلا في ظل وجود الآخر في حياتنا، ما يعني أن الطرف الآخر جزء حميم من ذاتنا.حالة موروثة
ينمو الطفل من دون أن يطرح الأسئلة عن تقبّل الذات، بل ينشغل باكتشاف عالمه وتعلّم مختلف جوانب الحياة ويتّكل على حماية والديه. يسمح له هذا الشعور بالأمان بالنمو ومواجهة الآخرين بكل ثقة. تؤدي التربية دوراً أساسياً طبعاً في هذه العملية. في معظم الأحيان يتلقى الأولاد الحب والدلال، لكن تكثر الحالات الشائبة أيضاً ويمكن أن تنعكس على نفسية الطفل.يشكّل ماضي الطفل الذي يجمع بين أحلام والديه غير المحققة وطموحاته الشخصية التي يصعب بلوغها بيئة حاضنة لتأجيج شعور الخيبة. يُعتبر هذا الإرث الأولي ثقيلاً بدرجات متفاوتة. قد يكون عابراً عند حصول حوار بنّاء مع الأبوين، ما يثبت أن الحب ثابت ولا يتأثر بالتجارب الفاشلة.لا بد من التحكم أيضاً بإرث آخر يتمثل بالمزاج الشخصي. قد تُرسّخ التربية بعض الجوانب في شخصيتنا لكن يحمل كل شخص منا خصوصيات محددة منذ الولادة. يسهل أن نحدد الشخصيات الغاضبة واللطيفة والمستقلة والمضحكة... تتطور هذه الخصائص إلى أن تصبح جزءاً راسخاً من الشخصية. يختبر جميع الراشدين لحظات يشعرون فيها بأنهم لا يرقون إلى مستوى التوقعات.خيبات حتمية
غالباً ما يكون هذا الفرق بين الصورة التي نحملها عن نفسنا وحقيقة ما نحن عليه مرادفاً للخيبة أو الرفض. على المستوى الفردي، نستهدف خصائص الشخصية التي لا نتحملها أو تعيق تطورنا لكن يستحيل تغييرها بالكامل. لكل منا قصته وماضيه ومعطياته الجينية التي تحدد شخصيته.نحو تقبّل الذات
لا يعني تقبّل الذات الاستسلام. إنه مسار طويل ولا يمكن تحقيقه إلا على مر السنين. يجب أن يترافق مع تكوين رؤية واقعية عن القدرات الذاتية وحتى العوائق ومكامن النقص. تمهّد هذه المقاربة للتعرف على الذات. سرعان ما يحين الوقت لمراجعة الطموحات رغم صعوبة المسألة. لا مفر من إعادة صياغة تلك الطموحات لتحسين فرصة تقبّل الذات وإصلاح المسار الشخصي والانطلاق من جديد. يجب أن تسعى وراء مشروع يرفع مستواك الشخصي. باختصار، حاول أن تعيد تقييم قدراتك عبر التعرّف على نفسك.تعلّم أن تحب نفسك!
يكون حب الذات أساسياً للمضي قدماً في الحياة. حين يرغب الشخص في تحقيق أفضل النتائج على جميع المستويات (تدليل الذات، زيادة الجاذبية الشخصية، إقامة علاقات عميقة مع الآخرين)، سيتشجع على تكثيف مساعيه وتحقيق الإنجازات. حين نحب نفسنا بهذه الطريقة السليمة، يمكن أن ننجح في إنشاء صداقات أو علاقات عاطفية جميلة مع مرور الوقت وسرعان ما تغذّي تلك العلاقات ثقتنا بنفسنا.بعد اكتساب هذه الثقة، من الأسهل أن نقاوم جميع المشاكل المحتملة. إذا واجهنا أي صدمات وتراكمت مشاعر الغضب أو الحزن أو التعاسة، سيسهل علينا أن نبني نفسنا علماً أن أسباب هذا التغيير لا تشكّك بالمزايا الجوهرية. حين نحب نفسنا، يمكن أن نستعيد الثقة المفقودة ونطلق مغامرات جديدة. يشكّل هذا الرصيد ضمانة ضد اليأس والمصاعب وحتى الاكتئاب.سيكون التغيير الذي يحصل لأننا لا نحب نفسنا محكوماً بالفشل ويبقى تقبّل الذات رغم جميع المصاعب أهم عامل لإحداث تحوّل جذري على المستوى الشخصي ولتغيير طبيعة العلاقات التي نقيمها.
يشكّل ماضي الطفل الذي يجمع بين أحلام والديه غير المحققة وطموحاته الشخصية التي يصعب بلوغها بيئة حاضنة لتأجيج شعور الخيبة