لماذا لا يزال الناس يهتمون بإحصاءات النمو غير المرضية في الصين؟ لأن البدائل في أغلب الأحيان تكون أكثر سوءاً.

تجتذب الإحصاءات الرسمية في الصين الكثير من الانتقاد من الأطراف الخارجية التي تشعر بالحيرة والإرباك، وفي الأشهر القليلة الماضية تحمل المسؤولون أيضاً هجمات قاسية من رفاق الحزب، وفي 26 من أغسطس الماضي وجهت هيئة مكافحة الفساد في الصين، وهي اللجنة المركزية للتفتيش، اتهامات إلى وانغ بوان وهو رئيس المكتب الوطني للإحصاء في الفترة من أبريل سنة 2015 إلى يناير الماضي تمحورت حول العديد من المخالفات بما في ذلك التفسخ الأخلاقي «والأنشطة الخرافية». وفي وقت سابق من هذه السنة زارت اللجنة أيضاً إقليم لياوننغ في الشمال الشرقي الصناعي للصين، وحثت المسؤولين المحليين على القضاء على الاحتيال المتفشي في ميدان المعلومات.

Ad

قد يكون النصح حقق قدراً من التأثير: الانهيار الذي حدث في الآونة الأخيرة في المؤشرات الاقتصادية في إقليم لياوننغ (هبطت استثمارات الأصول الثابتة بنسبة 58 في المئة خلال النصف الأول من هذه السنة مقارنة مع سنة خلت) قد يعكس بشكل جزئي الجهود الرامية إلى وقف التسرب في الأرقام المشبعة بالاحتيال، بحسب ليو ليو وهونغ ليانغ من بنك الاستثمار تشاينا إنترناشيونال كابيتال كورب.

توثيق الأخطاء

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الأخطاء التي تضمنتها معلومات الصين وُثقت بشكل جيد، وأرقام الناتج المحلي الإجمالي الإقليمية لا تدخل في حساب الإجمالي الوطني في ذلك البلد، كما أن النمو الفصلي والسنوي لا يتساوق أو ينسجم دائماً. ومن بين الطرق الثلاث التي تستخدم لقياس الناتج المحلي الإجمالي (من خلال احتساب الإنتاج والإنفاق والدخل) يشكل الإعلان عن أرقام الإنتاج الجزء الأسرع بصورة غريبة إلى حد كبير حتى مع أن الأرقام المقابلة المتعلقة بالإنفاق والأرباح تبدو بطيئة بصورة لافتة.

وقد أثارت الأرقام الأخيرة أسئلة جديدة، حيث هبط استثمار الأصول الثابتة لدى المشاريع الخاصة بنسبة 1.2 في المئة خلال شهر يوليو الماضي مقارنة مع سنة خلت، وفي غضون ذلك ارتفعت الأرقام المماثلة في المشاريع المملوكة للدولة، وكانت الخدمات قوية حتى مع تراجع الصناعة كما أن النمو لم ينخفض عن 6.7 في المئة على الرغم من هبوط الأسعار الى الانكماش في أواخر سنة 2015.

هذه الشكوك والاستنسابات دفعت إلى البحث عن بدائل، وعمد العلماء منذ سنة 2000 إلى التحول نحو مؤشرات مثل استهلاك الكهرباء على شكل ملجأ إحصائي حول ما وصفه أحد الخبراء بـ«رياح التزييف» التي ابتليت بها هذه المعلومات الرسمية، لكن الطاقة الكهربائية تعتبر مؤشراً أقل موثوقية بالنسبة إلى اقتصاد يتطور بعيداً عن الصناعة المتعطشة للطاقة، ونحو خدمات أقل تعويلاً على استهلاك الكهرباء. وعلى سبيل المثال وفي اقتصاد ما بعد الصناعة- كما هي الحال في الولايات المتحدة– فإن الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن ينمو حتى مع انكماش استهلاك الكهرباء (كما حدث في سنة 2015).

وقد قال رئيس الوزراء لي كيكيانغ الذي أُلهم نوعاً من البدائل الأوسع، عندما كان رئيساً للحزب الشيوعي في إقليم لياوننغ، إنه يعول على عمليات الشحن بالقطارات والكهرباء وإقراض البنوك من أجل الحفاظ على الاقتصاد المحلي، وهو يفضلها على أرقام الناتج المحلي الإجمالي التي اعتبرها من «صنع الإنسان». وسبق أن ألهمت تعليقاته مجلة الإيكونوميست في سنة 2010 لجمع تلك المؤشرات الثلاثة معاً في مقياس بسيط يتعلق بالاقتصاد الوطني تحت اسم «مؤشر لي كيكيانغ».

النسخة الأكثر تقدماً

وضع جون فيرنالد وأسرل مالكن ومارك سبيغل النسخة الأكثر تقدماً من هذا المؤشر في منتصف سنة 2013 من فرع مجلس الاحتياطي الفدرالي في مدينة سان فرانسيسكو، وقارنوا هذه النسخة من المؤشر مع الأرقام الرسمية للناتج المحلي الإجمالي في الفترة ما بين أواخر سنة 2000 حتى سنة 2009، ثم استعرضوا النتائج في الفصول اللاحقة لتحديد مدى مطابقتها. وكانت المفاجأة أنها بدت متطابقة، وبدا أن المؤشر النابع من الإحباط في الأرقام الرسمية كان يتمتع بعلاقة من الاستقرار والاستمرار حتى نهاية سنة 2012 على الأقل.

وعلى أي حال فقد تبددت هذه العلاقة منذ ذلك الوقت، بحسب تحديثنا لأعمال ذلك الفريق، فيما أشار مكتب الإحصاء الوطني إلى تباطؤ النمو بشكل تدريجي إلى 6.7 في المئة في الفصول الأخيرة، ويظهر مؤشر لي كيكيانغ أنها هبطت إلى أقل من 5 في المئة، وقد تكشف هذه الفجوة درجة الخلل في المعلومات الرسمية، لكنها تعكس في الوقت نفسه النقص والتقصير في المؤشر الذي لم يلحظ الطفرة في الخدمات المالية التي أسهمت في تحسين الناتج المحلي الإجمالي في الصين خلال تلك الفترة.

مؤشرات البدائل

ومن خلال اعتماده على ثلاثة مؤشرات بديلة فقط فإن لي كيكيانغ كان مقتصداً إلى حد ما، ولم يرغب في التوسع نحو الصورة الأوسع. النقاد الآخرون كانوا أقل انتقادا في هذا الصدد، وبعضهم تجاوز حدود قاعدة البيانات في الصين التي تعج بإحصاءات أولية حول الإنتاج المادي المتعلق بالمنتجات والسلع الفردية: أطنان من الفولاذ وأمتار من الحرير والكثير من المشروبات حتى كميات ضخمة من الخلايا الشمسية.

وفي رسالة إلى صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عمد كريس بولدنغ من جامعة بكين في شنغن إلى جمع معلومات عن 69 من «المنتجات الصناعية الرئيسة» التي وفرتها شركة «ويند» للمعلومات، ويظهر المتوسط البسيط لهذه المنتجات نمواً صناعياً محسوباً على أساس سنوي يصل إلى صفر في المئة في الربع الثاني من هذه السنة مقارنة مع الأرقام الرسمية التي بلغت نحو 6 في المئة. ومضى بنك غولدمان ساكس إلى مدى أبعد حيث جمع 89 من المنتجات، ويظهر مقياسه أن الإنتاج الصناعي قد انكمش بشكل فعلي في منتصف سنة 2015 ثم أعقب تلك الفترة درجة متواضعة من التعافي.

وتبرز هذه المعلومات المتعلقة بالإنتاج أنها أقل مما تشير إليه العناوين الرئيسة التي تقول إنها من «صنع الإنسان»، وهي أكثر دقة في احتساب الأطنان من الاسمنت والأمتار المربعة من الزجاج أو الكيلوات الساعية من الطاقة الكهربائية، وبقدر يفوق حساب القيمة المضافة من جانب الشركات. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه من دون مقياس من نوع ما حول القيمة النقدية فإن من المستحيل في تلك الحالة أن نتمكن من معرفة كم من الوزن سيكون في وسعنا إعطاء منتج مقارنة مع منتج آخر، وعلى سبيل المثال فإن «الجرارات» تظهر أربع مرات في مواقع مختلفة ضمن معلومات وبيانات قائمة «ويند». ومن شأن ذلك إعطاء الجرارات ثقلاً زائداً بـنسبة 5.8 في المئة في متوسط السيد بولدنغ البسيط الذي يشتمل على 69 منتجاً. (ويشار الى أن بنك غولدمان ساكس يعمد بدلاً من ذلك الى تحديد منتجاته على أساس العوائد).

الطرق الأخرى

وفي بعض الطرق الأخرى يعتبر حساب الوزن خطوة إلى الوراء، وكانت الصين في الماضي تنهمك في قياس الكمية الصرفة المتعلقة بالبضائع الصناعية بشكل يحقق المتطلبات التي حددتها الخطط المركزية الطموحة. وفي تلك الفترة كان النقاد الأجانب من أشار إلى النقص الحاصل في مثل تلك الإجراءات والمقاييس التي تعجز عن تحديد الجودة والتنوع والفعالية، كما أن النمو ينبع في أغلب الأحيان من خفض التزويد أو من تقديم الإبداع لا من توسيع الأحجام. وعلى سبيل المثال فإن مكتب الإحصاء الوطني عمد في الآونة الأخيرة الى إضافة الهواتف الذكية والروبوتات الصناعية ومركبات الطاقة الجديدة إلى قائمته من المشاريع الصناعية الرئيسة.

وتعتبر البدائل الأخرى المتعلقة بالمعلومات الرسمية نوعية مستقبلية لا النوع الذي ينطوي على مفارقة تاريخية، وقد تحول البعض إلى الفضاء واستخدم صور الأقمار الاصطناعية لأضواء المدن في الصين من أجل تقدير وتقييم الناتج المحلي الإجمالي فيها. واعتمد آخرون مثل العاملين في مختبر بيدو للمعلومات الواسعة– وهي أكبر شركة بحث في الصين– على الهواتف الذكية. ومن خلال وجود الهواتف الجوالة في جيوب الناس فإنهم يستطيعون متابعة ورصد بحوث «أون لاين» لزيارة المتاجر ودور السينما والمتنزهات الصناعية والأماكن الأخرى المتعلقة بالاستهلاك والتوظيف.

وهم يقولون إن في وسع عملهم التنبؤ بصورة ناجحة بتقلبات عوائد الصين الكبرى في شركة أبل وكشف احتيال محتمل في المعلومات، فبعض دور السينما، على سبيل المثال، أعلنت أرقاما أعلى من المتوقع للدخل وذلك في ضوء عدد الأشخاص الذين بحثوا عن خرائط شركة بيدو لمعرفة مواقع دور السينما.

بدائل التقنية العالية

لا تزال بدائل هذه التقنية العالية في مراحلها الأولية، وقد لا تتمكن مطلقاً من تزويد ما يزيد على التحقق من الإحصاءات الرسمية، ولحسن الحظ فإن في وسع التقنية أيضاً تحسين تلك الأرقام الرسمية، فمكتب الإحصاء الوطني، على سبيل المثال، يتلقى الآن الكثير من تقارير المعلومات مباشرة من نحو مليون شركة عن طريق نظام «أون لاين»، بدأ العمل قبل نحو أربع سنوات، وقد وسع أيضاً فريقه المركزي للدراسات وجعله أقل اعتماداً على المساعدة المحلية.

ونتيجة لهذه الإصلاحات فإن الأرقام الرسمية قد تشهد درجة من التحسن، وقد وضع فيرنالد وسبيغل في ورقة أخرى مع إريك هسو من جامعة كاليفورنيا في بيركلي الناتج المحلي الإجمالي ضد 10 من منافسيه. واختبر هذا الفريق قدرته على توضيح التقلبات في الصادرات الى الصين وفقاً لما ورد عبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وهو مقياس لثروة الصين الاقتصادية التي تتجاوز بشكل تقريبي النظام الإحصائي في ذلك البلد.

وقد تبين للفريق المذكور أن الناتج المحلي الإجمالي في الصين حقق أداء أفضل كثيراً في الفترة التي أعقبت سنة 2008، وبقدر يفوق الأداء الذي حققه قبل ذلك، وفي حقيقة الأمر كانت الأرقام الرسمية مؤشراً أفضل ما عدا في مجال الشحن بالسكك الحديدية.

موقف المستثمرين

قد يزدري المستثمرون المعلومات الرسمية الصينية لكنهم لا يستطيعون تجاهلها، فلا يزال في وسع الأرقام تحريك الأسواق لكن التحقيقات والاعتقالات التي شهدتها السنوات القليلة الماضية أسهمت في تشدد حكومة بكين، وهي تظن أن في وسع سمعة مكتب الإحصاء الوطني الصمود في وجه الدعاية السيئة، وإلا لما كانت اتهمته بهذه الصورة العلنية، وقد تكون الاتهامات إشارة إلى الثقة به، ولكن بعض المؤشرات تمضي في طريق معاكس على أي حال.