ما لا يقال عن مستقبل بشار

نشر في 11-09-2016
آخر تحديث 11-09-2016 | 00:08
 ياسر عبد العزيز لقد وقعت الأحداث المأساوية في سورية باطراد ووتيرة متزايدة منذ اندلاع الانتفاضة في شهر مارس من عام 2011، وبسبب توالي الوقائع السوداء، بات العالم أقل تأثراً بتفاصيل تلك المأساة الإنسانية.

ووفق أفضل التقديرات المتوافرة، فإن ثمة 290 ألف قتيل فقدوا حياتهم بسبب ذلك النزاع، بينهم أكثر من 84 ألف مدني، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

فقد معظم هؤلاء حياتهم تحت القصف المنهجي، أو رمياً بالرصاص، من قوى وأطراف عدة منخرطة في النزاع، الذي استُخدمت أسلحة محرمة دولياً خلاله.

ليس الموت هو الثمن الوحيد الذي دفعه أبناء الشعب السوري بسبب تلك الحرب الأهلية، لكن ثمانية ملايين منهم باتوا نازحين مشردين داخل بلادهم، في مقابل نحو خمسة ملايين فروا إلى الخارج، لاجئين أو محاولين اللجوء، وفق بيانات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

ولكي يحافظ النظام على بعض المناطق التي تتمتع بحد أدنى من الأمن، ولكي يحكم قبضته على الملايين الذين لم يتمكنوا من الفرار، فإنه يستخدم أدوات قمع وتخويف، من بينها الاعتقال؛ حيث تقول منظمة العفو الدولية إن نحو 17 ألف معتقل ماتوا داخل السجون في هذا البلد المنكوب، فضلاً عن نحو 65 ألفاً لم يُعرف مصيرهم بعدما تم احتجازهم من عناصر رسمية.

تصلح تلك الأرقام بطبيعة الحال لكي ترسم صورة مأساوية قاتمة عن الأوضاع الإنسانية في سورية، كما تصلح لإثارة المشاعر ضد الرئيس بشار الأسد، ليس فقط لمسؤوليته عن تلك الوقائع البشعة، ولكن أيضاً لأنه لم يؤمّن لمواطنيه سبل العيش الآمن الكريم، ولم يحفظ الوحدة الترابية لبلاده، والأهم من ذلك أنه سمح لميليشيات طائفية بأن تحارب معاركه ضد بعض مواطنيه، وراح يغير في التركيبة الديمغرافية للبلاد كما تقول مصادر موثوقة.

ليس هذا فقط، لكن الأسد أيضاً يتعرض، منذ اندلاع الانتفاضة، لاستهداف منظم ومباشر من قوى إقليمية ودولية كبيرة وقادرة.

لم تكن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي فقط ضد بشار الأسد، ولكن تركيا والسعودية وقطر والإمارات ودول أخرى نافذة في العالم والإقليم سخرت موارد وجهوداً كبيرة لإطاحته.

لقد لُطخت سمعة هذا الرجل بما يكفي لإطاحة عشرات الزعماء، كما بُذلت حياله الخطط، واتخذت القرارات، وصدرت البيانات الكافية لإطاحة دستة من الأنظمة.

من جانبي يمكنني القول إنني قرأت عشرات المقالات والتحليلات والآراء التي صدرت عن محللين وكتاب كبار، وتوقعت كلها أن يُطاح بالأسد في موعد محدد.

«مستقبل سورية بعد الأسد»، و«سورية بعد إطاحة الأسد»، و«نهاية الأسد»، وغيرها، عناوين تصدرت مجلات وصحفاً وشاشات فضائيات نافذة ورائجة في المشرق والمغرب.

مئات من الأخبار والتسريبات التي تناولت محادثات تجريها قوى دولية لـ»منح موطئ قدم للأسد وأسرته عقب فراره»، أو «ترتيبات لتخليه عن السلطة، يعقبها نفيه إلى دولة ما، ضمن تسوية تضمن له خروجاً آمناً، وتضمن للسوريين طي صفحته، وبدء مرحلة جديدة».

لكن الوقائع تكذب كل هذا، وتؤكد فقط أن الأسد ظل على قمة السلطة في سورية، وأنه قاوم كل تلك العواصف، وأن المحادثات التي تجري حالياً، والمبادرات التي يتم طرحها، لا تتجاهل وجوده في العموم، وبعضها يرتب له مستقبلاً، أو يشركه في المستقبل بصيغة ما.

يوم الأربعاء الماضي، نشبت خلافات بين فصائل في المعارضة السورية، لأن الهيئة العليا للمفاوضات (كيان مدني معارض) عرضت رؤية أمام مجموعة «أصدقاء سورية»، في اجتماع عُقد في مقر مركز بحوث لندني، وهي الرؤية التي لم تنص على محاكمة بشار الأسد وملاحقة رموز نظامه.

ورغم أن تلك الرؤية التي طرحها رئيس هيئة المفاوضات العليا للمعارضة السورية رياض حجاب، تنص على أن يرحل بشار الأسد في المرحلة الثانية للحل السياسي المطروح، فإن فصائل معارضة عدة رأت في ذلك تفريطاً في الحق الوطني والقانوني، ومكافأة لـ«النظام القاتل المجرم»، وتبريراً لبقائه.

إن المعارضة السورية، بفصائلها المختلفة، طرحت مبادرات ومواقف وحلولاً عدة للخروج من الأزمة في هذا البلد، وتلك المبادرات والمواقف تفاوتت بخصوص مستقبل بشار الأسد، لكن هذا الأخير، وأركان نظامه، لم يبدل موقفه أبداً بخصوص الاستمرار في السلطة.

يبدو الأسد عازماً على المضي قدماً في سياسته، وغير قابل للمقايضة على بقائه، وفي هذا الصدد يمكن أن يستفيد من أي حل يشمله، لكي يستهلك الوقت، ويعيد تأهيل نفسه، ويطبع مع العالم من جديد.

ثمة عدد من الحقائق المرتبطة بمستقبل الأسد، يمكن الإشارة إليها غداة إطلاق المعارضة السورية مبادرتها الأخيرة في لندن؛ ومنها ما يلي:

أولاً: إن رحيل الأسد لم يعد حتمياً. بمعنى أن دولاً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وربما تركيا وبعض الدول العربية والغربية باتت أكثر قبولاً لبقاء الأسد لفترة، لحين الوصول إلى حل سياسي.

ثانياً: إن قرار بقاء الأسد أو رحيله لم يعد بيد السوريين، بل لم يعد السوريون، سواء في الداخل أو الخارج، قادرين على التأثير فيه بشكل جوهري للأسف الشديد. إن تلك حالة مثالية لتضعضع الإرادة الوطنية، والمعارضة ليست مسؤولة عنها وحدها، لكن النظام أيضاً فعل ذلك بكل دأب. تتوزع مراكز التأثير على المعارضة بشكل يعكس نفاذ المانحين من جانب، والأدوار الميدانية والسياسية للقوى الإقليمية والدولية من جانب آخر، وهو أمر يضعف قرار المعارضة الوطني. وفي المقابل يجير النظام سلطاته في التفاوض مع أعدائه لحلفائه، أو وكلائه، أو عرابيه الإيرانيين والروس، بعدما أعلن أن «سورية لمن يدافع عنها».

ثالثاً: بقاء الأسد أو رحيله غير مرتبطين ببقاء الدولة السورية موحدة، أو باستمرارية المؤسسات. بمعنى أنه من الممكن أن يرحل الأسد، وتبقى سورية موحدة، ومن الممكن أن يبقى وتتفتت سورية، أو تنهار مؤسساتها.

رابعاً: إن بقاء بشار أو رحيله عملان من أعمال السياسة في صورتها البراغماتية الأكثر حدة، وهو أمر ليس مرتبطاً بالحق القانوني والأخلاقي أو المفاهيم الإنسانية.

* كاتب مصري

back to top