هذه رواية أولى لقاصة متمكنة من حرفة الحكي. رواية تشدك لمعرفة عوالم تظنها قريبة منك لتكتشف أنك لا تعرف عنها إلا الخطوط الرئيسة. وما يعيبها سوى الإسهاب والتكرار غير المبرر في مناطق كثيرة.بشرى خلفان في عملها الروائي الأول "الباغ" تنقل لنا عمان بتفاصيلها الاجتماعية والسياسية، معتمدة على مسارين تبادل فيهما الراوي موقعين، فكاد ينفصل عن مهنته السردية الأولى لصالح المؤرخ الذي يسجل الأحداث بواقعية شديدة تخرج الرواية من التخييل إلى التوثيق، ويحاول في كثير من الأحيان المزج بينهما. وتلك ممارسة خطرة تحتاج الكثير من الثقة في ضبط النص والمحافظة على نكهته الروائية وإعادته إلى مساره التخييلي كلما فلت الأمر ناحية التسجيل. ولا شك في أن الروائية كانت تعرف أنها تغامر بحرفتها الروائية وهي تحاول توثيق أحداث روايتها مستخدمة شخصياتها المتخيلة كعناصر مشاركة في صناعة هذا التاريخ أو في إعادة صناعته.
وتناولت بشرى خلفان جيلين سمحا لها زمنيا بالنظر إلى تاريخ مسقط وحركاتها السياسية بشكل شمل أيضا جيلين من حكامها، الأب والابن، واختلاف نظرتيهما للأمور. مقابل جيلين من العامة، الخال وابن الأخت، اللذين أيضا اختلفا في نظرتيهما للصراع السياسي ووقفا كعدوين متحاربين لا يملك أحدهما القدرة على إعادة الآخر إلى طريقه. وتركت القدر يتمكن من تسيير الخال (راشد) الذي ينتمي للسلطة إلى ما وصل إليه في جيش السلطان دون خيار حقيقي أو حتى نية مسبقة لهذا الانتماء. في المقابل كان خيار (زاهر) خيارا حرا سار نحوه برغبته وأصر عليه ورفض التنازل عنه. وفي اللحظة التي تصل فيها الرواية لما يسمى "ذروة النص" climax يرفض زاهر فرصة العودة وطلب الشفاعة التي يستطيع الخال الحصول عليها ويفضل الموت في الأسر عن البراءة من هذا الخيار.رغم اختلافي حول الطريقة الفنية التي كادت تخرج النص أحيانا كثيرة من سياقه الروائي إلى كتابة مبرمجة أو بحثية إلا أنني أشيد بهذا الجهد الخارق الذي بذلته الروائية في البحث أولا عن مصادرها التاريخية التي وقفت منها على الحياد التام تاركة أحكامها للقارئ، وفي تقديمها للحياة العمانية في صورها الدقيقة. فبعيدا عن الحبكة الأساسية في الرواية والتي كنت أفضل أن تكون شغلها الأهم، تناولت الروائية تفاصيل جميلة عن حياة الناس ومكونات المجتمع العماني الذي قد يبدو غامضا حتى على الخليجيين الأقرب لعمان فضلا عن العرب.الميزة الأجمل في العمل هو تباين العمل بين جنسي الراوي، بالمعنى الاجتماعي وليس البيولوجي، حين يتم الحديث عن القتال والمعارك التي يكون بطلها راشد، وتناول تفاصيل الحياة الأنثوية حين يتعلق الحديث بالمرأة التي تعيش في معزلها سواء في بيت "الباغ" أو في بيت "العودة". في التناول الأخير كانت تظهر خبرة الروائية بعالم المرأة العمانية في الأكل والطبابة والتعلم. رغم أنها قدمت صورة المرأة في العمل بشكل نمطي بدا مقصودا. فجميع النساء مطيعات، متدينات، حافظات للقرآن ومواظبات على الصلوات وهي صورة ألزمت الرجل بالمثل. الباغ تجربة روائية جميلة في عوالمها التي نجهل، وهي بالتأكيد إضافة للرواية العربية عن بلد لا نعرف الكثير عن تفاصيله الدقيقة.
توابل - مزاج
الباغ
11-09-2016