قصيدة "في طبيعة الأشياء" جاءتنا في ستة أجزاء، كُتبت بخبرة عالية، من الوضوح، وقوة السرد الحكائي. لكنها من جانب آخر رائعة في فتح طيات الحجج الفلسفية المعقدة، وتقريب المادة المجردة.

الكتاب الأول: يبدأ باحتجاج يرفعه لوكريتيوس إلى كوكب الزهرة (رمز الشاعر لقوى التماسك والتكامل، والطاقة الخلاقة في الكون):

Ad

"يا أمَّ أبناء إينياس، يا مسرة الرجال والآلهة، فينوس يا مانحة الحياة،

حالما يطل وجه الربيع/ وتهبُّ الرياح حاملة اللقاح من الغرب،

فإن طيور السماء أول من يلحظ قدومك،/ ويحس وقع تأثيرك على قلوبها، المواشي البرية ترعى وثابة في حقولها، / وتسبح في الأنهار، مأخوذة بالمباهج، وعميقا داخل كل مخلوق شهية مستثارة/ وأنت وراء سعيها للاخصاب الطبيعي".

في ما تبقى من الجزء الأول يحاول الشاعر شرح النظام الفلسفي الأبيقوري، ودحض نظم الفلاسفة الآخرين. إنه يبدأ بتحديد المبادئ الرئيسية للفيزياء وعلوم الكونيات الأبيقورية، بما في ذلك النظرية الذرّيةُ، ولانهائية الكون، ووجود المادة والفراغ.

الكتاب الثاني: يبدأ مع مقطع غنائي يحتفي بـ "معابد الفلسفة الجليلة"، ويندب الحظ العاثر للبشر الفانين الذين يكافحون عبثا ضد قدر لا وقاية منه: "ممتعٌ مشهد الريح وهي تعكر سطح المياه في البحر العميق،

ممتع أن تنظر من الشاطئ على مضطرب كبير آخر:... أن ترى الشياطين التي أنت في منأى عنها".

أبيقور يسعى، في قصيدة لوكريتيوس إلى تحرير البشر من وطأة الدين، عبر عرضه للطبيعة الحقيقية للأشياء، ويعرض للجرائم التي لا تنمُّ عن تقوى، والتي ارتُكبت باسم الدين، ذاكرا مشهد إيفيجينيا الشهير يوم قُدمت أُضحية للآلهة، من أجل مرور الأسطول الحربي اليوناني، في ليلة عرسها من أخيل وكيف، حين رأت حزن أبيها ومساعديه وهم يخفون خناجرهم، سقطت على ركبتيها متوسلة، من أجل إنقاذ حياتها البريئة. المشهد ينتهي بالبيت الشعري التالي: "دائماً يقنع الدين البشر بارتكاب كثير من الشرور".

الدين لدى اليونان هو الثيمة التي حاول لوكريتيوس محاربتها في عموم قصيدته. الخوف من الموت، الخوف الذي يعتمد جهل الناس "يعطي الكهنة قوة سطوتهم، ويُبقي الناس في العتمة". فقط دراسة الطبيعة الحقيقية للأشياء يمكن أن تبددّ رعب العقل هذا، الجذر الأساس للخوف من الموت. لوكريتيوس ينصح بأن يدرس الإنسان قوانين وطبيعة الكون، لا كمعرفة من أجل المعرفة، لكن كوسيلة حياة للسيطرة على الذعر الذي يسببه التفكير بما بعد الموت.

الكتاب الثالث: بعد الافتتاح الذي يخاطب به الفيلسوف أبيقور: "يا مجدَ الإغريق!":

"من عمق الظلال المريعة، كنتَ أنتَ أولَ من رفع مشعل الضوء

ليُري الانسان أيَّ معيار هو الأوفقُ للحياة..".

يرى لوكريتيوس أن الذرةَ، بسبب أنها أبدية، خالية من خصائص الإدراك: ليس لها لون، لا حرارة فيها، لا صوت، لا رطوبة، أو رائحة؛ ليس لها مشاعر ولا عاطفة، لأنها لو كانت تملك هذه الخصائص إذن لكانت عرضة للموت والفناء.

مذ كان الكون لانهائياً، وقد شُكل بتركيب من ذرات وبحكم الصدفة، فإن الكائن الإنساني لابد أن يعترف بأن هناك عوالم ونسخاً متشابهة من العالم الذي يعيش فيه، ولابد أن تكون موجودة في مكان ما من هذا الكون.

الروح في نظام أبيقور الفلسفي، تتألف من أربعة أجزاء تعمل سوية لتشكل كلاً متكاملاً: النفَس (أو الريح)، الهواء، الحرارة، وجوهر رابع لا اسم له. إنه نوع من "روح الروح".

الروحُ في كل جزء منها عرضة للموت؛ تموت جميعاً مع موت الجسد.

"الموت، إذن، لا يعنينا في شيء،/ مذ كانت طبيعة الروح قابلة للزوال.

لذا، عندما يتفكك إطارُنا البشري سريعُ الزوال، والكتلة الهامدة تنفصل عن العقل،/ عن مشاعر الألم سنكون أحرارا".

السلسلة الأخيرة من الصور، التي تهاجم الخوف مما بعد الحياة الأرضية، إنما هي صور مجازية للمعاناة التي يفرضها الناس بصورة حمقاء على أنفسهم في هذه الحياة.