«محسن أحمد»!

نشر في 12-09-2016
آخر تحديث 12-09-2016 | 00:00
 مجدي الطيب تربطني ومدير التصوير الموهوب محسن أحمد علاقة قديمة بدأت، في ما أظن، أثناء تصوير «كابوريا» (1990)، عندما اختاره المخرج خيري بشارة لإدارة تصوير الفيلم الذي تحوّل إلى «صرعة» بين جيل الشباب آنذاك، إذ تسابق الآلاف منهم إلى محاكاة قصة شعر البطل «حسن هدهد» (أحمد زكي) الشاب الطموح الذي يهوى الملاكمة ويتمنى الوصول إلى «الأوليمبياد».

لكن يمكنني القول إن اللحظة الحقيقية التي بزغ فيها نجم محسن أحمد جاءت، قبل أربع سنوات من «كابوريا»، تحديداً في فيلم «البداية» (1986) للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، الذي كان أول من وضع عينيه على الشاب الوسيم، وتنبأ له بمستقبل كبير في عالم التصوير السينمائي. جاء من بعده المخرج محمد خان، الذي اختاره لتصوير فيلم «زوجة رجل مهم» (1988). لكن المفاجأة، التي رواها لي محسن، أن العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام، أثناء تصوير المشاهد التي جرت أحداثها في المنيا (جنوب مصر)، إذ بدا وكأن خان ندم على تسرعه في اختيار هذا الشاب الذي يستغرق وقتاً طويلاً في التحضير لإضاءة وتصوير المشهد، وهو ما لم يعتده في أفلامه السابقة («مشوار عمر»، و{عودة مواطن»، و{خرج ولم يعد» و{الحريف»... وغيرها)، فضلاً عن نقطة غاية في الأهمية نوه إليها محسن بقوله: «لم نكن وصلنا بعد إلى الطفرة الهائلة التي تحققت لمن يعمل في مجال التصوير اليوم، حيث أصبح بمقدور المخرج، ومعه مدير التصوير، أن يطمئنا على نتيجة التصوير أولاً بأول، بينما كان عليهما في تلك الفترة الانتظار حتى الذهاب إلى المعمل، وترقب ظهور النتيجة بعد التحميض». وهو ما أصاب المخرج محمد خان بقلق شديد طوال فترة التصوير في المنيا، حيث كان عليه الاعتماد على «عيني محسن»، الذي يتعاون معه لأول مرة، ولم يستعد هدوءه إلا بعد العودة إلى القاهرة، والاطمئنان على النتيجة التي جاءت مبهرة، وبعدها فحسب وضع ثقته الكاملة في مدير التصوير الشاب.

بعد عرض «كابوريا»، والنقلة الكبيرة التي حققها محسن أحمد على صعيد الصورة، ونجاحه اللافت في إبراز الرؤية البصرية للمخرج خيري بشارة، توالت إنجازاته السينمائية، كما في «سمع هس»، و{الكيت كات» و{الحب في الثلاجة». لكن ما وصل إليه في فيلم «ناجي العلي» مع المخرج عاطف الطيب كان غير مسبوق، في رأيي، بعدما استغل الإمكانات الإنتاجية الضخمة التي توافرت للفيلم، وقدّم صورة تُضاهي تلك التي نراها في الأفلام الحربية العالمية.

في الحقبة نفسها (التسعينيات من القرن الماضي) اتجه إلى إخراج القصاصات الغنائية المصورة «الكليبات» لعدد من المطربين والمطربات، أهمهم كاظم الساهر في أغنية «قولي أحبك»، وبعدما توالت تجاربه التي أصبحت مدرسة تخرج فيها العشرات من المصورين الواعدين، كانت صورته، بالإضافة إلى نص وحيد حامد وإخراج محمد ياسين، سبباً رئيساً في نجاح فيلمي «دم الغزال» و{الوعد»، اللذين كان ينظر إليهما، مع «الشبح»، بوصفهم الثلاثية التي يفخر بها، ويراها أعلى مستوياته في التصوير.

لم يكتف محسن أحمد بمنجزه الكبير كمدير تصوير صاحب عين حساسة، وقدرة فائقة على توظيف الصورة لحساب الضرورة الدرامية، إنما أراد أن يُجرب حظه في مجال الإخراج السينمائي، وبرر هذا بقوله: «لم أجد السيناريو الذي يحمسني لتقديم شكل جديد في التصوير فقررت الاتجاه إلى الإخراج»، وحقق الأمنية فعلاً في فيلمي «السيد أبو العربي وصل» (2005) و{الرجل الغامض بسلامته» (2010) من بطولة هاني رمزي. كذلك أخرج للتلفزيون «بيت العيلة» في موسمين ناجحين. ولكنه رغم هذا ظلّ ينظر إلى الإخراج كهواية محببة ليس أكثر.

يعرف كثيرون أن مدير التصوير محسن أحمد أصيب، في يناير 2014، بجلطة دماغية أثناء حضوره العرض الخاص لفيلم روائي قصير بعنوان «نجم كبير» كان يدير تصويره. لكن ما لا يعرفه أحد، وكشف عنه أخيراً، أنه فوجئ أثناء متابعة الفيلم القصير بخطأ لا يُغتفر ارتكبه «الكاميرا مان»، ورغم أن الخطأ مرّ مرور الكرام على معظم حضور العرض الخاص، فإن الرجل الذي عشق التصوير، وأفنى عمره في تطويره، والارتقاء به، تألم كثيراً، وراح يهمس بغضب، وكأنه يلوم نفسه: «ليه؟ ليه؟»، ومع «ليه» الثالثة كان أصيب بجلطة دماغية استدعت نقله إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات الكبرى بالعاصمة المصرية، حيث نصحه الأطباء بالسفر لاستكمال العلاج في ألمانيا، التي عاد منها بعدما نصحه الأطباء بالراحة التامة، والتقليل من أي مجهود يبذله. لكنه يُصر على العودة إلى الساحة، ممتثلاً لنصيحة طبيب أجنبي قال له: «علاجك في عملك»، وهو ما يسعى إليه بكل جهده، وحلمه أن يُنجز مشروع فيلمه الذي يُحاكي «المومياء» في لغته البصرية، وسحر إيقاعه.

back to top