ليس جديداً أن تتباطأ عمليات تحرير الموصل وتصبح على مراحل متباعدة نسبياً، فهذه الخطة هي التي اعتادها الجيش العراقي وغرفة العمليات المشتركة مع التحالف الدولي بقيادة أميركا، منذ تحرير الرمادي والفلوجة خصوصاً، إذ يجري قضم القرى والبلدات على مهل، وقطع إمدادات تنظيم داعش ومنح عناصره فرصة الانسحاب، في محاولة لتقليل الدمار في المدن، ولأخذ فرصة لمعالجة أوضاع آلاف النازحين منها، ثم فرزهم أمنياً وترتيب سبل عودتهم، في إجراء معقد ومكلف للغاية.

لكن توقف عمليات تحرير الموصل منذ أسبوعين، وإجراء تغيير في مواقع قوات النخبة، يلقيان بالتساؤلات حول دوافع ذلك، منذ تحرير مدينة القيارة التي تبعد نحو خمسين كيلومتراً عن «عاصمة داعش» في الموصل التاريخية.

Ad

وبينما انتشرت موجة شائعات مفادها أن الأميركيين يعرقلون عمليات التحرير، ردت مصادر مقربة بأن ذلك لا أساس له من الصحة، لأن كل تباطؤ هو «أمر مدروس ومحسوب».

بعيداً عن هذا الجدل، تدور مناقشات مهموسة ومسموعة حول تحديات تحرير الموصل من النواحي السياسية والاجتماعية، فالجميع يرغب في طرد «داعش» من آخر معاقله المهمة في العراق، لكن لا أحد يمتلك إجابة واضحة حول مرحلة ما بعد «داعش»، ومن سيحكم أكبر مدينة سنية في البلاد.

وتتركز الخلافات التي تحاول واشنطن العمل كوسيط حاسم لإدارتها، حول ثلاث نقاط أساسية، تتعلق بالحشد والفصائل الشيعية، وما يريده الأكراد من الحدود الإدارية، ووضع المسيحيين والشيعة وباقي الأقليات حول المدينة وداخلها.

ويبدو الخلاف بين الموصليين والأكراد حول الحدود المشتركة «أكثر انضباطاً»، وخاصة أن رئيس الإقليم الكردي مسعود البارزاني يرسل تطمينات واضحة بشأن نواياه، لكن ذلك لا ينفي أن الموضوع هو «مشكلة ستنفجر بصيغ متعددة» حول مناطق باتت مركزاً لثأر وعمليات انتقام متوقعة ضد قرى وبلدات ساندت «داعش»، وحول مناطق غنية بالنفط لم يحسم القانون عائديتها القومية، ولم يتقدم النقاش السياسي في إطارها.

من جهة أخرى، يصر الحشد الشعبي والفصائل الشيعية على المشاركة في المعركة، ويقولان إن الجيش والبيشمركة الكردية سيحتاجان إلى إسناد، لأن أي انكسار في الموصل قد يتسبب في انتكاسة ضمن الجبهات الواقعة غرب العراق، والتي قدم الحشد فيها «تضحيات جسيمة»، ولا يريد أن يراها تسقط ثانية بيد داعش، في حين يعرب الموصليون عن شكوكهم بشأن إصرار الفصائل هذه على خوض حرب الموصل، معتقدين أن لديهم نوايا لا تتعلق فقط بعمليات انتقام من مجتمع كان قد تعاطف مع داعش أحياناً، بل بمخاوف من أن يتدخل الحشد، ومن ورائه طهران، بصوغ المستقبل للإدارة الأمنية والسياسية، كما حصل مع تكريت وديالى خصوصاً، ومع الأنبار بنحو جزئي.