في أول أيام عيد الأضحى، كتب وزير الموارد المائية العراقي «استغاثة» على حسابه في فيسبوك، ناشد عبرها منظمات المجتمع المدني وفرق الشباب التطوعية، لإنقاذ الأنهار من نبتة ضارة تفشت على شواطئ المدن، ويمكن أن تحرم العراق من كميات كبيرة من المياه، وسط تراجع مناسيبها في دجلة والفرات، لافتاً إلى أن سبب استغاثته هو عدم قدرة الدولة منذ عامين على مكافحة هذه النبتة، بسبب «عجز الموازنة المالية».

وللعام الثاني، على التوالي، يكافح العراق للتكيف مع انهيار أسعار النفط وتأمين فاتورة الحرب مع «داعش» وتكاليفها المجنونة. ومع أن الحكومة غرقت في ديون طائلة، فإنها ظلت تعجز عن تأمين مرتبات لعشرات الآلاف ممن يعرفون بموظفي العقود، وبموازاتهم يوجد مليون موظف في إقليم كردستان بلا مرتبات منذ ثلاثة أشهر، فضلاً عن توقف كل مشاريع البنى التحتية الضرورية من البصرة حتى حدود تركيا شمالاً، وقد بات الأمر جدياً إلى درجة أن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم اعتذر عن حضور القمة العربية المنعقدة أخيراً في موريتانيا، لعدم استطاعته تأمين تكاليف السفر، بينما اضطر رئيس البرلمان سليم الجبوري إلى إعفاء معظم مستشاريه لضغط النفقات.

Ad

وتقول الحكومة إن الوضع «تحت السيطرة» وإن الحرب على «داعش» هي التي تستنزف المال، فبعض العربات المفخخة التي يسيرها جنود التنظيم لضرب قطعات الجيش لا يمكن صدها إلا بصاروخ تتجاوز قيمته خمسين ألف دولار، كما ذكر رئيس الوزراء حيدر العبادي وهو يشرح فاتورة المعارك. ورغم تخصيص مبالغ كبيرة للمجهود الحربي فإن آلاف المقاتلين سقطوا قتلى في المعركة، ولم تحصل عوائلهم بعدُ على مرتبات تقاعدية أو مساعدات مالية، بسبب العجز أيضاً.

ومع بدء الطقس في الاعتدال أخذ معدل تزويد الكهرباء يتحسن تدريجياً، وزال تقريباً «كابوس» الغضب الشعبي الذي كان يؤرق الحكومة، وهي تعد بأنها ستقترض أكثر وأكثر لتأمين الحد الأدنى من المرتبات لنحو خمسة ملايين عراقي يعملون في القطاع العام (دون إنتاج حقيقي)، لكن هناك مشكلة تتعلق بالوضع المالي للأحزاب.

وتشير المصادر إلى أن معظم الأحزاب (باستثناء مجموعة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق) باتت بلا مال كافٍ، وهي التي تعودت طوال سنوات على نفقات باذخة وانتشارٍ جماهيري مكلف في مدن كبيرة، وسباق انتخابي هو الأشرس لهجةً والأعلى ثمناً في المنطقة، كما يقال.

وتشهد المدن العراقية احتجاجات متواصلة لمقاولين وشركات صغيرة لم تتسلم مستحقاتها من الدولة منذ سنتين أو أكثر، ومن المعروف أن معظم هؤلاء يمثلون الشبكة الخفية أو العلنية الداعمة للأحزاب ورجال الدين، وتحاول الحكومة تأمين قروض وسندات داخلية وخارجية لسد العجز، من دون جدوى.

ومع اقتراب الانتخابات المحلية، يُحذِّر المراقبون من زيادة الصراع على العوائد المالية الشحيحة، خاصة مع دخول ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية على خط المنافسة وبسطها هيمنتها على قطاعات حساسة في أسواق بغداد والبصرة، وهو ما يثير المخاوف من حصول سبب إضافي للصراع بين الساسة وجيل شاب من المقاتلين الذين تدعمهم إيران، ولاسيما بعد بيانات عن استمرار تراجع أسعار النفط، العام المقبل، الأمر الذي قد يجعل بغداد تنتصر على تنظيم «داعش» لتواجه أزمة أقسى من الحرب.