«الطريق إلى سايكس - بيكو» الحرب العالمية الأولى بعيون عربية
يقدّم كتاب {الطريق إلى سايكس-بيكو: الحرب العالمية الأولى بعيون عربية}، (مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون)، قراءة متجدّدة لأسباب الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في 28 يونيو 1914، أعدَّها مؤرِّخون وباحثون أكاديميون متخصصون، عادت إلى الجذور أي إلى دوافع ذاك النزاع الكوني، ثم قراءة مشاهِدِهِ بزواياها المختلفة، القتالية والاستراتيجية والاقتصادية والإنسانية، بعيون عربية. قدّم لها الإعلامي والباحث التونسي رشيد خشانة.
بينما كان البريطانيون يُفاوضون الشريف حسين، باشروا سراً مفاوضات موازية مع فرنسا وروسيا القيصرية لتقاسم تركة الدولة العثمانية، وتحديداً الولايات العربية. قاد المفاوضات التي استمرت أشهراً عبر تبادل الرسائل كل من السير إدوارد غراي، وزير الدولة للشؤون الخارجية من الجانب البريطاني، والسفير بول كومبون، سفير فرنسا لدى بريطانيا من الجانب الفرنسي. أما التوقيع فتمّ في {داونينغ ستريت} يوم 16 مايو 1916 بقلم كل من مارك سايكس، الموظف السامي في وزارة الخارجية البريطانية، وفرانسو جورج بيكو، السكرتير الأول في السفارة الفرنسية بلندن. وأسفرت المفاوضات عن الاتفاق على تقاسُم ما أصبح يُعرف لاحقاً بالشرق الأوسط بعد تجزئته إلى خمس مناطق. وكان يُقصد بـ{الشرق الأوسط} الفضاء المُمتد من البحر الأسود شمالاً إلى المتوسط جنوباً، ومن البحر الأحمر غرباً إلى المحيط الهندي شرقاً فبحر قزوين، مع الحفاظ على الوضع القائم في شبه جزيرة العرب.
مفترق تاريخي
في الفصل الأول من {الطريق إلى سايكس-بيكو: الحرب العالمية الأولى بعيون عربية} بعنوان {العراق خلال الحرب العالمية الأولى: الافتراق التاريخي}، كتب المؤرِّخ العراقي والمدير التنفيذي لمشروع (ICNIC) للثقافات البشرية في كندا، سيار الجميل عن العراق ثم عن بلاد الشام خلال الحرب العالمية الأولى.ويرصد الفصل الثاني، {الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحرب العالمية الأولى على فلسطين والأردن}، الذي أعدَّه أستاذ التاريخ بالجامعة الأردنية، علي محافظة، سياق المفاوضات بين بريطانيا والشريف حسين بن علي، أمير مكة، والمفاوضات بين روسيا القيصرية وفرنسا وبريطانيا لاقتسام أراضي الدولة العثمانية.وفي الفصل الثالث المعنون بـ{بلاد الشام خلال الحرب العالمية الأولى}، يلاحظ المؤرخ سيار الجميل أن الحرب العالمية الأولى انتهت بعدما أُسْدِل الستار نهائيًّا على تاريخ أربعة قرون حكم العثمانيون فيها البلاد العربية ومنها بلاد الشام التي اختلف هنا تاريخها عن العراق، فإذا كان الأخير بقي موحدًا في إثر الحرب، فإن بلاد الشام قُسِّمت إلى أربعة أوطان: سورية ولبنان وفلسطين والأردن.ويُذَكِّر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، علي عفيفي علي غازي، في الفصل الرابع {مصر والحرب العالمية الأولى بين 1914-1918}، بالوقود البشري الذي شكَّله المصريون في الحرب؛ حيث عبَّأت بريطانيا مليونًا ومئتي ألف مُجنَّد من سكان مصر لتُشكِّل منهم {القوات المُعاونة} خلال الحرب، في وقت كان فيه تعداد البلد لا يزيد عن 14 مليون نسمة.وفي الفصل الخامس {الحرب العالمية الأولى وتداعياتها في السودان مقاربة تحليلية}، اعتبر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، أحمد إبراهيم أبو شوك، أن السلاح الناري الذي يملكه الإنكليز كان السبب الرئيس في ترجيح كفة بريطانيا في معاركها في مختلف أنحاء السودان. كما أن بريطانيا توخّت سياسة القمع مع حركات المقاومة في جنوب السودان، وهي السياسة التي سارت عليها في جميع أنحاء البلاد. في الفصل السادس {الوطنيون الليبيون والصراع بين التحالف ودول المحور}، يشير أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة صفاقس، عبد المجيد الجمل، إلى أن انتصارات المقاومة الوطنية بليبيا في بداية الحرب العالمية الأولى تزامنت مع اتباعها استراتيجية {الحياد} تجاه القوى المتحاربة، لكن هذه السياسة سرعان ما شهدت تحولات عدة.
أوضاع متدهورة
في الفصل السابع {مشاركة التونسيين في الحرب العالمية الأولى}، يذكر الأستاذ والباحث في تاريخ تونس المعاصر، فيصل الشريف، أن عدد التونسيين الذين شاركوا في المجهود الحربي وصل بين المجنَّدين إجباريًّا والمتطوعين والعمال إلى 87.332 رجلًا تقريبًا، وهو ما يشكِّل أعلى نسبة مشاركة للبلدان المغاربية مقارنة بعدد السكان أي 3,9 %. أمَّا على صعيد الأوضاع السياسية والثقافية فشهدت تدهورًا كبيرًا أثناء الحرب.أمَّا الفصل الثامن، {الجزائر والحرب العالمية الأولى}، فيتناول مشاركة الجزائريين في الجيش الفرنسي خلال الحرب، وترصد الأستاذة في جامعة الجزائر 2، وهيبة قطوش، أن هذه المشاركة لم تقتصر على وجودهم في الجبهة الغربية، إنما وُجدوا في الجبهة الشرقية أيضًا، في ألبانيا وبيروت وبالقرب من قناة السويس، وكثيرًا ما أُقحموا ضمن قوات التدخل السريع، واتسموا بالشجاعة والروح القتالية، ورغم كل هذه التضحيات، لم تتحمَّل فرنسا مسؤولياتها الأخلاقية في التعامل مع الجنود الجزائريين ولم تساوِ بينهم وبين الجنود الفرنسيين حتى في الموت. بل قذفت بهم في أدمى المعارك وأشدها ضراوة، وجعلتهم دروعًا بشرية واقية للجنود الفرنسيين.وفي سياق الحالة المغربية ومشاركة مواطنيها في المجهود الحربي الفرنسي، يشير الأستاذ المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر بجامعة فاس، محمد بكراوي، في الفصل الأخير بعنوان {مساهمة المغرب في المجهود الحربي الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى}، إلى أن مناطق السهول والمرتفعات في المغرب الأوسط المحتلين شكَّلت الخزَّان الرئيس للجنود المُرسَلين إلى جبهات القتال في فرنسا طوال فترة الحرب. ووُسع التجنيد القسري ليشمل المناطق الجبلية التي لم تكن أُخضعت بعد. سرد تاريخييختتم الكتاب بسرد تاريخي عن «سير الأحداث» في أبرز المعارك العسكرية الكبرى، سواء في البلاد العربية أو خارجها، مع الإشارة إلى الأحداث السياسية التي سبقت اندلاع الحرب وتلك التي تخلَّلتها، بالإضافة إلى أهم نتائجها، لا سيما على صعيد العالم العربي.
الكتاب يبيّن أن بريطانيا توخّت سياسة القمع مع حركات المقاومة في جنوب السودان