مثلما فعلت السينما المصرية مطلع الثمانينيات عندما تسابق منتجوها إلى تمويل أفلام تتبنى الترويج لفكرة فتح أبواب كلية الضباط المتخصصين بأكاديمية الشرطة لأول مرة عام ‏1983 أمام الجنس اللطيف، والثناء على التجربة، في مواجهة موجات السخرية التي استهدفتها، وتعمدت التقليل من أهميتها، حتى بدا وكأن وزارة الداخلية هي التي أنتجت هذه الأفلام، التي أذكر منها: «الصبر في الملاحات» (1986) إخراج أحمد يحيى، «بنات حارتنا» (1987) إخراج حسن الصيفي، «البوليس النسائي» (1988) إخراج عبد العليم زكي و»حالة تلبس» (1988) إخراج بركات، تعود السينما المصرية لتناول الظاهرة في فيلم «أبو شنب» تأليف خالد جلال وإخراج سامح عبد العزيز، ليس من باب رصد وتقويم نتائج التجربة بعد 33 عاماً من تطبيقها، وإنما لتكريس الاستخفاف نفسه الذي عولجت به، بدليل الاكتفاء بتقديمها في أفلام كوميدية تافهة أو أفلام حركة ساذجة.

في أحدث فيلم تقوم ببطولته ياسمين عبد العزيز نتابع الملازم أول «عصمت أبو شنب» ورفيقتيها (إيمان السيد وشيماء سيف) فلا نرى صلة بينهن والصورة الذهنية، والواقعية، لضابط الشرطة الجاد، المهيب والمنضبط، بل يجبرنا التناول البغيض على استعادة صورة الموظفة، التي عينتها القوى العاملة، وتحولت إلى بطالة مقنعة، فما كان منها سوى أن تفرغت لتنقية الأرز، وقطف الملوخية، في المكتب، للتسريع بتجهيز الطعام للزوج والأولاد عقب العودة إلى المنزل، وهو ما تكرر على يدي إحدى الضابطات التي انهمكت في شغل الإبرة فيما تفرغت أخرى للعب الورق على جهاز الحاسب الآلي أما العميد «المناويشي» (بيومي فؤاد) الرئيس المباشر للضابط «عصمت أبو شنب» فيراها الأصلح لإحضار الطعام والسندويتشات ويُحذرها من نسيان «الطرشي» في حين لا يتوقف الضابط الأقدم «حسن أبو دقن» (ظافر العابدين) عن ازدرائها لمجرد أنها امرأة!

Ad

ربما أراد الكاتب، ومعه المخرج، أن يصنعا فيلماً كوميدياً ساخراً، لكن النتيجة جاءت عكسية، ولم تصب في صالح تجربة اشتغال المرأة في «البوليس النسائي»، بل أساءت إليها بكل تأكيد، وكرست الكثير من الدونية التي ينظر بها المجتمع الذكوري إلى عمل المرأة في هذه المهنة، فعلى غرار النهايات السعيدة للأفلام المصرية، التي يتزوج فيها الحبيبان بعد طول عناء، وتصل فيها سيارة النجدة عقب فوات الأوان، وينتصر الخير على الشر، تفشل «عصمت أبو شنب» في الاختبارات كافة، والمهام المكلفة بها (الإيقاع بشبكة دعارة/ مداهمة تجار مخدرات/ مواجهة ظاهرة التحرش في شم النسيم/ إطلاق النار في مطعم والتسبب في ذعر مرتادي المكان)، وقبل النهاية، بدقائق، تستقيم الأوضاع، لمجرد أنها عثرت على الحبيب المجهول، وتثبت جدارتها، وكفاءتها، وتنجح في إنقاذ أطفال اختطفتهم عصابة مجرمة!

مواقف كثيرة في الفيلم تدفعك للظن أنك بصدد محاولة يائسة لصنع فيلم حركة كوميدي (حيوية وإثارة وواقعية مشاهد مواجهة التحرش ومشهد اختبارات اللياقة البدنية لضابطات الإدارة وقيادة «عصمت» للسيارة بجنون). لكن ثمة ثغرة في الزج غير المبرر بممثلة منظمة حقوق الإنسان «إكرام» (ليلى عز العرب) التي تثير الرعب لدى قيادات الداخلية، خشية الإطاحة بهم بناء على تقريرها الذي لا يُصد ولا يُرد، ولا تكتفي بهذا وإنما ترفع الظلم عن «عصمت»، وتجعل منها عنصراً فاعلاً، ورغم المواقف الكوميدية المصنوعة بحرفية (مشهد خبير المفرقعات (مصطفى أبو سريع ) وتعامل الناس باستخفاف فإن الفيلم لم يخل من سذاجة، ووجود شخصيات نمطية، كاللواء «نعمان إبراهيم» (لطفي لبيب) الذي يقع في إغواء ليلى عز العرب (شيء لا يصدقه عقل)، وعسكري المراسلة (حسن عبد الفتاح) الذي يقدم الأداء نفسه، والعاهرة «شوشو» (بدرية طلبة) التي تكرر نفسها، والضابطة البدينة (شيماء سيف) النهمة للأكل باستمرار، والقواد الرخيص (محمود الليثي)، وزبون الملهى (محمد متولي) الذي ينفق بسخاء... فهي شخصيات درامية أشبه بالقوالب التي يمكن أن تتواجد في أي فيلم دونما النظر إلى عنوانه أو مضمونه.

في فيلم «أبو شنب» تسيطر الكوميديا من دون افتعال، لكن محاكاة مشهد احتجاز زكي رستم وفريد شوقي في فيلم «الفتوة» بدت مفتعلة، وما زالت ياسمين عبد العزيز تحاول استعادة مكانتها غير أنها لم تتخلص بعد من المبالغات التي تعتري أداءها في أفلامها الأخيرة، ونجح التونسي ظافر العابدين في أداء المطلوب منه بالضبط، بينما دخل بيومي فؤاد منطقة الخطر. وانقلب السحر على الساحر في الفيلم بأكمله، وبدلاً من تقديم عمل ينحاز إلى المرأة، ويؤكد أهليتها لشغل المواقع الحساسة، وتبوؤ المناصب الرفيعة، يُرسخ في الأذهان صورتها كامرأة خُلقت من ضلع أعوج، ينبغي عليها أن تلزم بيتها، وإذا خرجت للعمل فإن هدفها الوحيد هو اصطياد زوج المستقبل!