في هذا المقال سنكشف سبب عزوف الشباب والشابات عن الزواج، فهل هو سبب مالي ونحن في بلد الثراء؟ أم مهني ونحن في بلد الدعة؟ أم اجتماعي ونحن أكثر الأمم أصالةً؟ أهو سبب نفسي، رغم أن الزواج موطن الهوى؟ أم أخلاقي؟ يبدو أن السبب مزيج مقيت من هذا كله... فما عساه أن يفعل المجتمع ليصد كل تلك الجبهات المفتوحة؟ وأي الجبهات أشد ضراوة؟ أي تلك الأسباب الأكثر بطشاً في البلاد وجوراً على العباد؟

فيما مضى، لم تكن هنالك أبدا مشكلة من الشاب أو الشابة تردعهما عن التلاقي في عُش الزواج الساحر، ففي ستينيات الخليج والوطن العربي ككل، كان سن الزواج الطبيعي هو سن المراهقة، فكان الشباب لا يراهقون بحثا عن الشهوات لاكتفائهم الطبيعي، حتى ان مصطلح المراهقة لم يكن من إبداعاتنا، بل جاء ضمن بِدع الغرب الممسوخة والمنسوخة، ففي الجهراء ونجد وأبوظبي، كان الشاب يتزوج في بداية حياته أربعاً من بنات عمه أو خالاته ولا يستنكر ذلك أحد، ولا حتى يستدعي هذا الحدث قنوات الأخبار لتسجيل سلوكهِ كطفرة مجتمعية مدهشة كما يحصل الآن في زماننا، وفي مناطق الحاضرة العربية مثل عاصمة الكويت والرياض والمنامة، لم يكن أحد يستنكر زواج الشاب فور بلوغه، فما الذي غير الحال؟ وجعلنا لا ننزعج من أعزب ناضج يجوب البلاد وسط بنات عذارى حواليه؟ فما سبب برود وخمول المجتمع في حل هذه المشكلة الطارئة؟

Ad

يرد المجتمع على هذا التساؤل بحجةٍ ثقيلة العيار، بحجة أشبه بالقنبلة المفخخة تنفجر في وجه كل صالح وصالحة فكرا بحق الزواج، ألا وهي أن الترف والبذخ جعلا الشباب ينفرون من المسؤولية، وطراوة شخصية الشابة، أو بالأحرى هُزالها، هي سبب هشاشة شخصياتهم أمام كفاح الزواج العظيم، الذي يسفر عن جوهر أخلاقهم الحقيقي، فالشباب لا يتحلون بالمسؤولية، ولا يملكون تلك الكفاءة... فهل هذه الحجة صحيحة أم خرافة استسلموا لها؟

ينبغى تناول هذا الموضوع الشائك بمنطقية متجردة عن العواطف، فبغض النظر عن عاطفية هذا الموضوع فإن مجتمعنا العربي الحالي فاشل دينيا ودنيويا، متخلف ثقافيا، متراجع سياسيا، متطرف دينيا، ومشوش اجتماعيا، فوسط هذا الواقع المتأجج والمتخبط يتيه ملايين الشابات والشباب العزاب، الذين يحتاجون جيلاً رزيناً رحيماً يصنع منهم رجالاً ونساء من خلال غرس قلوبهم في أعشاش الرغد والسرور، لتقوي شوكتهم وتستقيم شخوصهم وشخوصهن، ليكونوا بعد ذلك صامدين أمام بحار الواقع اللجية المتلاطمة، كما كان يفعل السلف بالخلف.

ويجدر بنا ألا ننكر تلك الفجوة الاجتماعية الهائلة التي حصلت بين الجيلين السابق والحاضر، بسبب انفجار الثراء الفاحش الذي داهم الجميع، وطاش بعقول بعضنا، ناهيك عن الطفرات التكنولوجية وغيرها، فلابد من تكوين وجهات نظر جديدة لقراءة هذه الأزمة العارمة، ألا وهي العزوف عن الزواج.

رأيي الشخصي، كعضو في مجتمعٍ خليجي، هو أن هذه الأزمة لم يتأخر حلها إلا بسبب نظرتنا المعكوسة لها، وهي أن التقصير ليس في رغبة الشباب الطبيعية في الزواج، فالحوائج العاطفية قبل الجسدية لا تخيب الأمل، بل بسبب الفجوة التربوية الهائلة التي سمح الجيل السابق لها بأن تتعاظم يوما بعد يوم، بينه وبينهم، فالحل في إعادة تأكيد ما كان المجتمع عليه منذ آلاف السنين قبل الإسلام وبعده.

وهكذا نستنتج أن الوضع الطبيعي لانتصار الشاب والشابة على "بعبع" المسؤولية، ذلك الغول الأسطوري الكاسر، هو أن يؤوي المجتمع الشاب والشابة في بيت الأهل، ليستوعبا جميع زلاتهما البلهاء عادةً، والجسيمة أحياناً، في بيئة آمنة دافئة لهذه البتلة العائلية الصغيرة، إلى أن تكلل بنجاح، لتغدو فُريعاً صغيراً، من شجرة عائلة ذات أصل ثابت وفرع باسق في السماء.