إذا كنت تعتقد أن تدخل الحكومة في الأسواق المالية كان المسؤول عن الركود الاقتصادي الأخير وتباطؤ التعافي فقد تكون محقاً، ولكن ربما ليس بالطريقة التي تظنها على أي حال. فبوسعك أن تتخيل ماذا سيحدث في سوق حرة إذا قرر كل واحد فجأة أن النمو الاقتصادي في المستقبل سيكون بطيئاً جداً، وأن سعر الأصول الآمنة مثل سندات الحكومة الأميركية- وهي سندات تعطي مردوداً حتى في بيئة النمو المتدني- ستصعد بصورة حادة؟ ونتيجة لذلك فإن معدلات الفائدة الحقيقية (المعدلة للتضخم) والتي تتحرك دائماً عكس أسعار الأصول الآمنة ستهبط، فمن حيث المبدأ إذا كان الطلب على الأصول الآمنة قوياً بما فيه الكفاية فإن معدلات الفائدة الحقيقية ستدخل بصورة عميقة في المنطقة السلبية.
ولكن على الرغم من ذلك فإن آليتين حكوميتين تمنعان معدلات الفائدة الحقيقية من الدخول إلى المنطقة السلبية، وتتمثل الآلية الأولى في المبالغ التقدية: وما دام في وسع الناس الاحتفاظ بالعملة– التي تفقد قيمتها عند معدل التضخم فقط– فإن الناس لن يعمدوا إلى شراء الأصول الآمنة التي تدر عوائد أقل، وتتمثل الآلية الثانية في وعد البنك المركزي المتعلق بإبقاء معدلات التضخم متدنية ومستقرة عند نحو 2 في المئة في معظم الدول المتقدمة، ونتيجة لذلك يكون لدى الناس درجة طفيفة من السبب للاحتفاظ بأي أصول يمكن أن تدر أقل من 2 في المئة سلبا ( وربما 3 في المئة سلبا نظراً لأن المبالغ النقدية تكون ضخمة ويصعب تخزينها). وبكلمات أخرى فإن الحكومات– ومن خلال إصدار النقد والتحكم بمعدلات التضخم– تضع أرضية تحدد مستوى معدلات الفائدة ومدى ارتفاع أسعار الأصول، وهكذا يصعب اعتبار ذلك على شكل سوق حرة.
التدخل الحكومي
ومثل أي تدخل من جانب الحكومة فإن ذلك يفضي الى عدم الكفاءة والفعالية، ومن خلال منع الأسعار الآجلة للبضائع والسلع والخدمات من الارتفاع بصورة عالية جداً فوق مستوى الأسعار الحالية فإنها تعمل على تقييد الطلب على السلع والخدمات الراهنة. ويفضي الطلب الضعيف، بدوره، إلى دفع الشركات نحو تقليص التوظيف وخفض الاستثمار في تطوير تقنيات جديدة، وهو ما يترك القوة العاملة في وضع أقل إنتاجية. هل يبدو هذا مألوفاً؟والسؤال هو ما السبيل إلى إصلاح هذه المشكلة؟ عرض جون ويليامز وهو رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في سان فرانسيسكو بعض الأفكار التي تطرقت الى زيادة أهداف التضخم، ولكن ذلك يشكل عملاً جزئيا في أحسن الأحوال. ويتمثل الجواب الصحيح في إلغاء العملة النقدية والتحرك بصورة تامة الى النقد الإلكتروني- وهي فكرة سبق أن اقترحت في أوقات متعددة من جانب مارفن غودفريند من جامعة كارنيغي وميلون ومايلز كيمبول من جامعة كولورادو وأندرو هالدن من بنك انكلترا، ولأن النقد الإلكتروني يمكن أن يطرح أي أرباح فإن معدلات الفائدة ستتمكن من الارتفاع داخل المنطقة السلبية وفقاً لمتطلبات السوق.دور المتقاعدين
بعض مجموعات الناس وخصوصا المتقاعدين ومن هم على وشك التقاعد، قد يتملكهم الخوف من مثل هذه الأفكار، وهذا أمر متوقع، وبعد كل شيء فإن المستهلكين في الدول الأكثر فقراً يستجيبون بطريقة مماثلة إزاء رفع سقف الأسعار بصورة غير عادية في الخبز والحليب، ولا يجعل ذلك الرقابة على الأسعار عملية مرغوبة. وإذا أرادت الحكومة إعادة توزيع الموارد على المتقدمين في السن أو الفقراء فإن من الأفضل كثيراً تقديم المال اليهم.وإذا ألغي النقد فإنني أدعم فكرة تبني إجراءين تكميليين: الإجراء الأول هو أنه بدلاً من استهداف معدلات تضخم إيجابية فإن البنوك المركزية تستطيع استهداف استقرار حقيقي في الأسعار من خلال السعي الى إبقاء مستويات الأسعار مستقرة بمرور الوقت (وللتوضيح فإن هذا سيكون كارثياً ما لم يُلغ النقد أولاً).والإجراء الثاني هو أن العملة توفر خدمة تتجاوز كونها مخزن قيمة ووسيلة تبادل: فهي غامضة ومجهولة وبالتالي فإنها تضمن سرية التعاملات، وفي غيابها ستضطر الحكومات الى السماح للقطاع الخاص بعرض بدائل من السمات الجذابة ذاتها.لقد تكبدنا حالة ركود عميق وعملية تعاف بائسة، لأن الحكومة ومن خلال اشتراطها الخاص بالعملة تدخلت في الأداء الملائم للأسواق المالية، والسؤال هو لماذا لا نعمل على ضمان عدم حدوث ذلك ثانية؟Narayana Kocherlakota - ناريانا كوشر لاكوتا