كل عام وأنتم بخير، وعساكم من عواده.قضيت إجازة العيد في القاهرة برفقة طيبة من أصدقاء أعزاء في رحلة سنوية للبلدة المحروسة التي يدخلها الناس بسلام آمنين.
في مثل هذه الأيام قبل ستة وعشرين عاماً، دخلت مصر مع أسرتي الصغيرة ومعشر واسع من مشردي الغزو العراقي من أبناء شعبنا الكويتي، لاجئين إلى أحضان أم العرب الحنون، وآوتنا وانتصرت لقضيتنا، وقادت أمة العرب لأولى خطوات حرب تحرير الكويت في العاشر من أغسطس 1990، حين حسم الرئيس حسني مبارك الموقف العربي بانتزاع قرار مؤتمر القمة المنعقد في ذلك اليوم للانتصار للحق الكويتي، وإدانة العدوان العراقي، وإضفاء الشرعية العربية على القرارات الدولية التالية لذلك المؤتمر، والتي مثلت منظومة جهود التحالف الدولي، الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت من براثن الغزاة.خلال تجوالي عبر شوارع القاهرة ومروري بفندق سفير الزمالك، حيث كان سكني في زمن التشرد، مرت بذاكرتي أيام منتصف شهر سبتمبر من عام الغزو البغيض وأطفالنا شاخصة أبصارهم عبر الشارع يرقبون أطفال مصر وهم عائدون إلى مدارسهم، وأطفالنا يتساءلون محزونين: متى نعود نحن إلى مدارسنا؟ فنجيبهم بأعين دامعة: عندما نعود إلى وطننا، ولكن متى؟ لا ندري!استعادت ذاكرتي رجالاً كانوا كتائب قتال إعلامي اصطفت بجانب الحق الكويتي، متسلحين بإنتاجهم الفني والثقافي والصحافي والفكري للتأثير على الفضاء العربي الموبوء بالطروحات المساندة للعدوان على الكويت من الكثير من القوى القومية والدينية والأيديولوجية المضللة، التي كانت تسعى إلى عرقلة الاستعانة بالقوى الدولية لتحرير الكويت. ومثلت تلك الكوكبة من عمالقة الإعلام والفن والفكر والثقافة في مصر العروبة سداً منيعاً أمام دعاوى الباطل التي ساندت العدوان العراقي حتى تهيأ لنا التحرير.تذكّرت مَن كانوا حولنا في تلك الأيام، واستعنا بهم بقدر ما استطعنا من خلال الرابطة الكويتية للعمل الشعبي بقيادة الأخ الكبير عبدالعزيز المخلد، وكتائب من الكويتيين المحتشدين حول هدفهم الأوحد، وهو التحرير، ولا شيء سواه، تذكّرت السفير الكويتي آنذاك الدبلوماسي اللامع عبدالرزاق الكندري، والقامة الشامخة رئيس المركز الإعلامي الكويتي المرحوم حمد الرومي.وافتقدت مَن استذكرت أدوارهم المميزة في جهد العمل الشعبي المساند لجهود التحرير العسكرية والدبلوماسية، التي قادتها الشرعية الكويتية في الطائف، وهم قامات صديقة مخلصة للكويت وشعبها أمثال الراحل الكبير الأخ والصديق وجدي الحكيم، وكان كتيبة قائمة بذاتها، والشاعر العملاق عبدالرحمن الأبنودي، والملحن الرائع جمال سلامة، الذين جمعني بهم ومعهم التحضير لأعمال كبيرة وعديدة خلال وجودي في القاهرة، مثل أوبريت الليلة المحمدية، وضمنها رائعة عبدالله الرويشد "اللهم لا اعتراض"، وكذلك نشر وترويج ملحمة الأبنودي العظيم "الاستعمار العربي"، وندوات شارك فيها عمالقة ذلك الزمان أمثال:الشيخ محمد الغزالي، والدكتور أحمد عمر هاشم، والمفكر خالد محمد خالد، وأستاذنا الجليل المفكر فؤاد زكريا، والأستاذ إبراهيم سعدة رئيس تحرير الأخبار، والأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام، وهرم الصحافة المصرية مصطفى أمين، والدكتور سعدالدين إبراهيم، والأخ الصديق محمود حربي وجهوده المتوقدة لحشد الرأي العام المصري لمناصرة الكويت، هؤلاء الكبار وغيرهم الكثير لن يغيبوا عن ذاكرتنا الوطنية أبداً.يا مصر الكبيرة والعظيمة، حماك الله، كم لكل منا معك وبك من ذكريات خالدة!وستبقين على الدوام كنانة الله في الأرض.
أخر كلام
6/6: حماك الله يا مصر
17-09-2016