ما قل ودل: مكانة د. البرادعي الدولية والوطنية ليست محل شك

نشر في 18-09-2016
آخر تحديث 18-09-2016 | 00:10
 المستشار شفيق إمام تلقيت من الزميل العزيز د. طارق البرادعي رسالة يعتب فيها عليّ بأنني في سردي لجوائز نوبل التي حصل عليها من مصر كل من الرئيس الراحل أنور السادات وأديبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ، وعالمنا الراحل د. أحمد زويل، لتكتمل لمصر بذلك الزوايا الثلاث لمثلث نوبل في السلام والأدب والعلوم في مقاليّ المنشورين على هذه الصفحة في عددي الجريدة الصادرين في الشهر الجاري، أنني أغفلت شقيقه د. محمد البرادعي الذي حاز جائزة نوبل في السلام أيضاً مناصفة مع مؤسسة الطاقة الذرية، وأعترف للأخ العزيز ولقرائه الأعزاء بأنني أخطأت وأنني مدين لهما وللدكتور محمد البرادعي بالاعتذار.

المجاز والحقيقة

كما صحح لي قارئ آخر– لم يذكر اسمه– ما كتبته في مقالي الأحد 11/ 9/ 2016 من إطلاق صحيفة الأهرام لقب الهرم الرابع على محمد حسنين هيكل، والصحيح أنها أطلقت عليه الهرم الخامس، لأنها لم تغفل هرم زوسر، وأعتذر لقرائي لأنني مدين لهم بتوضيحٍ هو أن صحيفة الأهرام عندما أطلقت على هيكل الهرم الخامس، كانت تستخدم المجاز في التعبير عن تقديرها لهيكل، أما استخدامي لهذا التعبير في تلقيب زويل به فكان يعني الحقيقة لا المجاز، لأنني انطلقت في هذا الوصف لزويل من قول دورانت في كتابه عن الحضارة، بأن الأهرامات تحدت الزمن، وهو الذي أوحى إليّ بأن ألقب زويل بالهرم الرابع، لأنه بالبحث العظيم الذي أذهل العالم عن الفمتو ثانية والذي حاز عليه جائزة نوبل، قد تحدى الزمن الذي تحدته الأهرامات الثلاثة، ولم يكن في ذهني هرم زوسر لأنه لم يصمد أمام زلزال 1992 الذي أثر في بنيته وأدى إلى سقوط مجموعته الجنائزية.

عتب على الدكتور طارق البرادعي

ومع كل التقدير لشخصه إلا أنني لم أتوقع من الدكتور طارق سوء الظن بي، ولو على سبيل الاحتمال، عندما ختم رسالته لي بأن "عدم الإشارة في مقالي إلى حصول شقيقه على جائزة نوبل في السلام سواء كان عن قصد أو غير قصد أصابه بإحباط وخيبة أمل".

وأرد عليه بقول الرسول، عليه الصلاة والسلام "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، ولئن كان لم يجمعني بالدكتور محمد البرادعي لقاء، بل أتمنى لقاءه لأعرف بعض خفايا هذه الفترة، إلا أن ما سأرويه للدكتور طارق البرادعي في هذا المقال قد يزيل عنه إحباطه وخيبة أمله وظنه بي.

وهو موقف اتخذته تقديراً لدور د. محمد البرادعي ومكانته عندي باعتباره رمزاً من الرموز الوطنية، ولست أزعم فيما أكتب أنني مؤرخ لتاريخ هذه الحقبة، لكنني كاتب يؤمن بقداسة الكلمة فيما يكتب، فالكلمة لها قداستها وللتاريخ قدسيته، ولن يغفر التاريخ لي أو لغيري أن نغمط قدر رموز وطنية كان لها تأثيرها في مجرى الأحداث التي شكلت حقبة مهمة في تاريخنا الحديث.

وهو واجب مضاعف الأثقال على من كان قاضياً، وقد قال الإمام أبو مسلم الخولاني: "إذا عدلت مع أهل الأرض جميعاً وجرت في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك".

موقف مع مجلة 6 أكتوبر

كان الموقف الذي اتخذته مع عرض كريم عرضه عليّ الأخ الصديق العزيز سعيد عبده رئيس مجلس إدارة دار المعارف، ورئيس مجلس إدارة مجلة أكتوبر، وهو أن أكتب للمجلة مقالاً أسبوعياً، فهو يتابع مقالاتي في الجريدة، وكان عرضاً كريما منه، قابلته بالشكر والاعتذار لأن وقتي لا يتسع لأكثر من مقال واحد في الأسبوع، وعرضت عليه نشر مقالي الأسبوعي الذي تنشره "الجريدة" يوم الأحد في مجلة 6 أكتوبر، التي تصدر في اليوم ذاته، وقد رحب بالعرض كما رحب به رئيس التحرير الذي حضر إلى مكتب رئيس مجلس الإدارة، لإعطائه العدد الأخير من المجلة الذي طلبه وعليه إميل المجلة لأرسل مقالي الأسبوعي إليه، بعد استئذان الأستاذ خالد المطيري رئيس تحرير "الجريدة".

وما إن عدت إلى الكويت حتى بدأت أتصفح عدد المجلة الذي معي، فوقعت عيني على افتتاحية العدد التي تصدرتها صورة لحمدين صباحي ود. محمد البرادعي، وكانت الافتتاحية تهاجم حمدين صباحي وتتهمه بالعمالة والخيانة، لأنه قدم مبادرة للمصالحة مع الإخوان، ودللت على ذلك بالصورة التي نشرت لحمدين الصباحي والبرادعي في صدر الافتتاحية، دون أن تناقش الافتتاحية صاحب المبادرة في مبادرته، ودون أن يعرض محتواها، ولم أستأذن الأستاذ خالد المطيري في نشر مقالاتي الأسبوعية في المجلة.

الدكتور البرادعي ومكانته الدولية

وقد كانت للدكتور محمد البرادعي مكانته الدولية وقت أن كان يعمل بمؤسسة الطاقة الذرية، واختاره العالم أجمع مديراً عاماً لهذه المؤسسة بالرغم من غياب ترشيح دولته مصر له، بل رشحت غيره لهذا المنصب الرفيع.

وقد أدار الأزمات الدولية التي خاضت مؤسسة الطاقة الذرية الجانب الذي يخصها منها بحكمة واقتدار وإنصاف لإجبار الدول على الالتزام بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية التي وقعتها حتى الآن 189 دولة، وامتنعت عن توقيعها كل من إسرائيل والهند وباكستان.

وقاوم الضغوط الأميركية على المؤسسة بالقدر الذي استطاعه في ظل ظروف بالغة التعقيد عندما أصبحت أميركا القطب الواحد الذي يهيمن على النظام العالمي كله في غياب الاتحاد السوفياتي.

دفاعي عن حركة التغيير

وسيسجل التاريخ كذلك للدكتور محمد البرادعي أيضاً، أنه أحد الرموز الوطنية الكبيرة، وأحد قادة التغيير في مصر الذي كان أول من نظم حركة من مختلف القوى السياسية والحزبية في مصر للمطالبة بالتغيير وتداول السلطة، وقد التفت حول حركته جموع من المصريين في الداخل والخارج، ودفع سبعة عشر مصرياً منهم ثمن التفافهم حول هذه الحركة، فتم ترحيلهم من الكويت وقطع أرزاقهم بسبب انتمائهم إليها.

وقد دافعت عن هذه الحركة وعن المصريين الذين تم ترحيلهم في مقال نشر لي على هذه الصفحة في عدد "الجريدة" الصادر في الحادي والعشرين من أبريل 2010 انتقدت فيه الإبعاد تحت عنوان "قرار إبعاد المصريين يخالف الدستور ويمس استقلال القضاء" والذي قلت فيه ما يلي:

مصر في قلب وعقل كل مصري خارجها

لقد أكد هؤلاء المصريون أن مصر في قلب وعقل كل المصريين العاملين في الخارج، كما كانت في قلب وعقل الدكتور محمد البرادعي طيلة العشرين عاماً التي قضاها خارج مصر حتى وصل إلى أعلى المناصب الدولية مديراً عاماً لوكالة الطاقة الذرية.

وانتقدت القرار من كل جوانبه الدستورية والقانونية، وكان القرار قد استند إلى مخالفتهم لقانون الاجتماعات العامة الذي يستلزم الحصول على ترخيص لأي اجتماع، على سند من أحكام المادة (44) من دستور الكويت.

وكان انتقادي للقرار على سند من حكم المحكمة الدستورية بالكويت بجلستها المعقودة بتاريخ أول مايو سنة 2006 في الطعن رقم (1) لسنة 2005 والذي قضت فيه بعدم دستورية المادتين (4) و(16) من قانون الاجتماعات العامة والتجمعات تأسيساً على ما جاء في الحكم من أسباب لعل أهمها ما قالته المحكمة من أن:

«حق الاجتماع حق إنساني»

وقد قررت المحكمة في حكمها سالف الذكر أن الناس أحرار بالفطرة ولهم أراؤهم وأفكارهم وهم أحرار في الغدو والرواح فرادى أو مجتمعين، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم مادام عملهم لا يضر بالآخرين.

ودلالة هذا الحكم أن المحكمة الدستورية لم تعتبر حق الاجتماع قصراً على الكويتيين، بل اعتبرته حقاً إنسانياً من الحقوق الطبيعية الأصيلة للإنسان واللصيقة به فشملت به الأفراد كافة.

وانتهيت في مقالي إلى أن قرار الإبعاد ينطوي فضلاً عن إهداره لحق من حقوق الإنسان هو حق الاجتماع ومخالفته أحكام المادة (44) من الدستور، قد خالف كذلك أحكام المادة (173) من الدستور التي تقضي باعتبار القانون الذي تحكم المحكمة الدستورية بعدم دستوريته كأن لم يكن، وهو ما ينطوي كذلك على مساس باستقلال القضاء وجوهره احترام أحكام القضاء.

back to top