على غرار سيارة جديدة فقدَت رائحتها وتحمل بعض الخدوش على جوانبها، بدأت بعض علامات التلف تظهر على الاتفاق النووي الذي توصلت إليه السنة الماضية إيران وست قوى عالمية، مع أنه لم يمر على بدء تطبيقه بالكامل سوى تسعة أشهر.لكن خطة العمل المشتركة الشاملة صمدت في وجه جهود رافضيها لتقويضها في إيران والولايات المتحدة على حد سواء، وستستمر الصفقة على الأرجح مع الإدارة الأميركية المقبلة.
في الجانب الأميركي يسارع الجمهوريون وبعض صقور الديمقراطيين إلى استغلال أي عمل إيراني سلبي، معتبرين إياه دليلاً على فشل خطة العمل المشتركة الشاملة. على سبيل المثال سلّط النقاد أخيراً الضوء على تقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال" يدّعي أن إدارة أوباما ستدفع 400 مليون دولار نقداً لإيران لقاء إطلاق سراح أربعة أميركيين من أصل إيراني ومواطن أميركي خامس في يوم التطبيق.لكن هذا المال لم يكن فدية بل إعادة للمال الإيراني في صفقة أسلحة عُقدت قبل الثورة إلا أن شحنات الأسلحة لم تُسلَّم، أما الأميركيون فجرى تبادلهم مع سبعة إيرانيين كانوا محتجزين في السجون الأميركية لانتهاكهم العقوبات.بالإضافة إلى ذلك أكّد بعض منتقدي الصفقة النووية، أمثال ديفيد أولبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي، أن إيران تغش على هامش خطة العمل المشتركة الشاملة باحتفاظها بكميات من مواد حساسة تشمل يورانيوم منخفض التخصيب تُرك كفضلات في المواقع النووية الإيرانية.أما في الجانب الإيراني فقد شهدنا فيضاً مستمراً من الشكاوى عن أن الولايات المتحدة لم تلتزم بجزئها من الصفقة بشأن التخفيف من العقوبات، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم أنجزوا كل المطلوب بإزالتهم ما يُدعى العقوبات الثانوية التي تهدد بمعاقبة الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إيران، مشيرين إلى أنه لا أحد يستطيع إرغام رجال الأعمال، وخصوصاً المصرفيين، على العودة إلى سوق لا تزال تُعتبر خطيرة.خلال الحملة الرئاسية الأميركية انتقدت هيلاري كلينتون السياسات الإقليمية الإيرانية، مثل دعم الحكومة السورية، غير أنها دافعت بقوة عن الاتفاق النووي الإيراني وتفاخرت بدورها في تمهيد الطريق الدبلوماسي أمامه خلال عهدها كوزيرة خارجية.كذلك دعمت كلينتون أخيراً الموقف الديمقراطي الداعي إلى تجديد شامل لقانون العقوبات على إيران بما أنه ينتهي هذه السنة. عُلِّق هذا القانون الذي يُعتبر من العقوبات الثانوية التي تستهدف الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط والغاز الإيراني، بسبب خطة العمل المشتركة الشاملة، ولن يسري العمل به مجدداً إلا إذا أقدمت إيران على انتهاكات فادحة لهذا الاتفاق.في المقابل لم يتبنَّ المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أي موقف من هذا القانون، أما تهديداته بإعادة التفاوض بشأن الصفقة النووية، فلا تؤخذ على محمل الجد نظراً إلى أن هذا اتفاق متعدد الأطراف وأن قراراً أميركياً أحادي الجانب لن يكون ملزماً لروسيا، والصين، أو حتى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين والآسيويين.عند تأمل خطابات حملة ترامب الأخيرة نلاحظ أنه يصب كل اهتمامه على توقيف المكسيكيين وغيرهم من المهاجرين اللاتينيين غير الشرعيين وترحيلهم، ومنع دخول المهاجرين المسلمين، وإعادة التفاوض بشأن ما يعتبره معاهدات تجارية مجحفة، فقلما أتى على ذكر إيران منذ انطلاق حملة الانتخابات العامة.ومن المرجح أن تأخذ مواجهة "داعش"، والتعاطي مع روسيا، ومعالجة تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتحديات التبدلات المناخية، الأولوية بالنسبة إلى المرشحَين الرئاسيين كليهما، متقدمةً على المسألة الإيرانية.حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد بنيامين نتنياهو قلما يأتي على ذكر إيران هذه الأيام، كذلك أثنى خبراء الأمن الإسرائيليون في المجالس الخاصة على خطة العمل المشتركة الشاملة لأنها أرجأت الأزمة النووية الإيرانية عقداً من الزمن على أقل تقدير.لا شك أن الشرق الأوسط يميل دوماً إلى إقحام نفسه في مناظرات السياسة الخارجية الأميركية بطرق غير متوقعة، لكن إيران تبدو مستقرة نسبياً في وجه الأزمات التي تعصف بالكثير من جيرانها، ونتيجة لذلك سيُرغم الرئيس الجديد، سواء كان كلينتون أو ترامب، على التعاطي على الأرجح مع الاضطرابات السياسية في تركيا والعراق.أما مستقبل العلاقات الأميركية-الإيرانية، فيعتمد في جزء كبير منه على طهران، وما إذا كان خلف القائد الأعلى سيشعر بالحاجة عينها إلى التمسك بالموقف المعادي للولايات المتحدة كوسيلة لدعم النظام واستمراره، ومن المؤكد أن مواطني كلا البلدين سيجنون الفوائد من استئناف العلاقات الدبلوماسية والعمل على التوصل إلى قواسم مشتركة. ولكن إذا كان السلام الحقيقي ما زال بعيداً، فإن خطة العمل المشتركة الشاملة ساهمت مساهمة كبيرة على الأقل في الحد من مخاطر نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط.* باربارا سلافين
مقالات
الصفقة النووية الجديدة ستستمر على الأرجح مع الإدارة الجديدة
18-09-2016