لماذا اخترت التوجه إلى الأطفال؟

عالم الأطفال مميّز وممتع، وليس الكلّ قادراً على التّأقلم معه، خصوصاً في مجال التّعليم. اكتشفت مهارتي مع الأطفال وعشقي لهم بعد تعليمي المراحل كلها. فعلى رغم تخصّصي الجامعيّ في تعليم المرحلتين المتوسطة والثّانويّة فإنّني نجحت في تعليم الصّغار في المرحلتين: الرّوضات والابتدائيّة، وأكبر عامل بالإضافة إلى محبّة الأطفال هو تمتّعي بروحيّة الأطفال وقدرتي على الانسجام معهم ومهاراتي المتنوّعة في الغناء والتّمثيل والرّسم والرّقص، وهي أمور أساسيّة لإيصال المعلومات إلى الأطفال والتّقرّب إليهم. وفعلاً، لمست نجاحاً في تعليمهم وترغيبهم في تعلّم اللّغة العربيّة الفصيحة...

Ad

في عالم الإنترنت والتواصل الاجتماعي، هل أصبح التعامل مع الأطفال أكثر صعوبة، وما الأفكار التي تتوجهين بها إليهم؟

السّير عكس التّيّار يولّد هذه الصعوبة. لا بدّ من التّأقلم مع حاجة العصر، ولا يمكننا أن نتجاهل أنّ الإنترنت والتّكنولوجيا هما من أساسيّات عصرنا الحالي وجيل اليوم هو «جيل النّت»، وعلى المعلّم أن يحاكي لغة العصر وأن يكون مرن المراس ومتجدّداً. ومهما اختلفت وسائل التّعليم فيجب استغلالها وتوجيهها بالشّكل السّليم للوصول إلى الهدف الأسمى ألا وهو إيصال المعلومات. كذلك لا يمكننا تجاهل أنّ الطّفل كالعجينة المرنة يمكن تشكيله وتوجيهه بالطرائق كافة وليس بالتّكنولوجيا فحسب، فهو يميل بشكل أكبر إلى الأمور المحسوسة والملموسة على رغم تعلّقه بالأمور الإلكترونيّة.

وبالنّسبة إلى الأفكار الّتي أتوجّه بها إلى الأطفال، فهي مختلفة ومتنوّعة تربويّة وأكاديميّة بحسب منهج مقرّر لهم ومتفاوت ليتناسب مع أعمارهم، وهم يتقبّلون أموراً كثيرة على رغم صغر سنّهم، فيما يختلف الأسلوب.

هل يفرح الأطفال اليوم بالحكايات التي كان يفرح بها الأطفال في الماضي؟

رواية القصص والحكايات أحد أحبّ الأمور إلى قلب المتعلّم مهما اختلف عمره. من تجربتي التّعليميّة، وجدت أن القصّة تشدّ المتعلّم بشكل لافت حتّى من كان كثير الحركة أو من لديه صعوبة تعلّميّة. والمعلّم الّذي يودّ إيصال معلومة بشكل سريع عليه اعتماد القصّة كعامل مساعد وجاذب. ولكن ليس كل من روى القصّة نجح في إيصالها، فلرواية القصص أصول وأسلوب.

بالنّسبة إلى الصّغار لا بدّ من الانتباه إلى بساطة الكلمات والى الجمل القصيرة، فضلاً عن طريقة العرض والتّحكّم بنبرة الصّوت والمؤثّرات الصوّتيّة والحركيّة. فالمتعلّم الصّغير بحاجة إلى تجسيد الكلمة أمامه بالصّورة والصّوت والحركة... ومتى عمل المعلّم على تلك الأمور كافة نجح في عرض القصّة وشدّ المتعلّم وإيصال الفكرة.

أما الحكايات التّي كانت تروى في الماضي فهي ما زالت محطّ اهتمامٍ عند الأطفال، خصوصاً أنّها تنمّي خيالهم وتوسّع أفكارهم. وأذكّر هنا بأهمّيّة الانتباه لطريقة العرض وعمر المتعلّم.

خيال وبساطة

كيف تجب مخاطبة الأطفال اليوم، وهل بقي دور للخيال؟

الطّفل أمانة بين أيدي المعلّمين، والعمل على تنمية قدراته الكلاميّة أحد الأمور الأساسيّة في مرحلة الرّوضات، ومن الضّروريّ مخاطبته بالطّريقة السّليمة من دون اللّجوء إلى أسلوب الأطفال في الكلام، لأن الطّفل قادر على فهم المقصود. ولكنّ لا بدّ من الانتباه إلى بساطة الكلمات ووضوح مخارج الألفاظ والجدّية المفعمة بالمحبّة. والمحبّة الصّادقة من المعلّم هي المفتاح الحقيقيّ للوصول إلى قلب الطّفل واهتمامه وسرعة تعلّمه.

وبالنّسبة إلى الخيال فهو عالم الطّفل الحقيقيّ، وأحد أجمل الأمور لديه، ويضفي الفرحة أحياناً على من حوله. ولكن لا بدّ من الانتباه للصغير، والتّجاوب مع خياله بشكل منظّم ومدروس أحياناً، ولا بدّ من تخصيص وقت للإصغاء إليه لمعرفة مكامن فرحه أو خوفه. وهنا دور المعلّم وحده لا يكفي فلا بد للأهل من تخصيص وقت للإصغاء إلى ما يدور في عقل ابنهم كي لا يسمحوا لأمور خاطئة بأن تترسّب في عقله، وبالتّالي قد تسبب له مشكلة نفسيّة معيّنة.

ما الإشكالية التي تواجه أدب الأطفال في العالم العربي اليوم؟

ربما يكون أدب الأطفال أحد أهم الأمور التي يُعمل عليها راهناً. إنتاجه واضح في السّوق والمعارض، لكن مشكلته تكمن في فوضويّته وعدم متابعته بشكل كامل وتام كما في دول العالم الأوّل. فهو بحاجة إلى دعم خاصّ من الحكومة وإلى معنيّين مختصّين بالأطفال، لا سيما أن كثراً ممن لا علاقة لهم كلّيّاً به يلجأون إليه ربّما لسبب مادّيّ أو لأنّ جهة معينة طلبت منهم ذلك، وقد يسبب ذلك فشل الإنتاج.

أدب الأطفال بحاجة إلى اختصاصيّين وإلى من هم على دراية بإمكانات الأطفال وحاجاتهم وحاجة السّوق والعصر إلى تطوير هذا الأدب، وإلى منهج كامل ومتكامل في المحتوى ومتطلّباته وحاجات المعلّم والمتعلّم. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى نوعيّة المحتوى المناسب لعمر المتعلّم من ناحية اللّغة المبسّطة والواضحة والعمليّة والوسائل المتطوّرة. ولا بدّ من العمل على تأهيل المعلّمين بالشّكل الصّحيح.

كونك معلمة أطفال ومنسقة للغة العربية في المرحلة الابتدائية، هل تستقين أفكارك من احتكاكك اليومي بهم؟

ربّما يتساءل كثيرون بالنّسبة إلى وضعي لأنّني غير متخصّصة في تعليم الأطفال! صحيح، لكنّ تجربتي الشّخصيّة في عالم الأطفال لفترة طويلة، وشعوري بالمسؤوليّة تجاه هذه المرحلة جعلاني أعمل على تطوير نفسي بالبحث والقراءة والاستعلام والمراقبة كي أكون أمينة وناجحة في رسالتي، ما أهّلني في ما بعد لاستلام منصب التّنسيق لهذه المرحلة. وبالطّبع احتكاكي الدّائم مع الصّغار وقدرتي على تلمّس الإشكاليّات جعلاني أستقي أفكاري وأنمّيها وأطوّرها للوصول إلى بعض ما أنتجته لهذه المرحلة.

«أغني بالعربية»

وضعت كتاب «أغني بالعربية» مع الشاعرة ليندا نصار، إلى أي مدى يغني التأليف المشترك الكتاب ويقدّم صورة أكثر متعة للأطفال؟

تقول الحكمة «ما خاب من استشار» وقد تكون الرّؤية من جهة معيّنة كافية وجيّدة. ولكن في مشاركة الآخرين الأفكار والإنتاج رقيّ وتكامل وتنوّع لافت، وغالباً ما يكون فيها أيضاً توفير للوقت وتوجيه وترسيخ أكبر. ومن هنا فلمشاركتي إنتاج هذا الكتاب مع الصّديقة والشّاعرة ليندا نصّار نكهة خاصّة بشموليّته وتناغم أفكاره وموسيقاه الشّعريّة ومادّته.

كيف تلبين متطلبات الطفل اليوم، وكيف تصورين له عالماً جميلاً وكل ما حوله بشع؟

البحث المستمرّ، والاطّلاع والاستعلام والمثابرة كلّها أمور تدفع بي إلى توفير كلّ ما يمكن للطّفل ولو كلّفني مجهوداً شخصيّاً.

وبالنّسبة إلى تصوير العالم بأحسن صورة، فالطّفل كما الراشد قادر على الفصل بين الدّاخل والخارج، وعلى الانسجام في عالم معلّمه والولوج فيه على رغم معرفته بما ينتظره في الخارج.

تتجاور عندك الكلمة والنغمة، ما الذي يحرك قلمك وما الذي يدفعك إلى وضع النّغمة؟

أوّل ما قد يحرّك قلمي تلمّسي حاجة معيّنة أو نقصاً ما في عمليّة التّعليم أو مشكلة اجتماعيّة يعانيها المتعلّم أو الطّفل. ما يدفعني إلى وضع النّغمة دور الكلمة الملحّنة وسهولة وصولها إلى عقل المستمع أو المتعلّم. فقد أثبتت الدّراسات أنّ الأغاني تؤدي دوراً أساسيّاً وسريعاً في إيصال المعلومة.

كيف تقيمين تجربتك في الكتابة للأطفال؟

لديّ طاقة كبيرة ولله الحمد في الإنتاج وتلمّس حاجة السّوق والمتعلّم ولكن ضغط العمل في التّعليم والمسؤوليّات يقفان حاجزاً أحياناً أمام إنتاجي، بالإضافة إلى عدم توافر الوكيل المناسب والمجازف لخوض تجربة إنتاج متكامل من حيث الدّعم المادّي. كذلك نفتقر إلى مراكز تربويّة وأكاديميّة عصريّة ومتطوّرة.

ولكن أنا فخورة بما سُنح لي إنتاجه مع صديقتي ليندا نصّار، سواء كان من ناحية القصص الّتي تطرح قضايا عصريّة محطّ اهتمام متعلّمينا اليوم كسيطرة التّكنولوجيا من خلال قصّة «تكنولوجيا ولكن»، أو دور الأمّ في البيت وخارجه من خلال قصّة «أمّي صاحبة الكاراج»، أو موضوع التّسوّل من خلال قصّة «متسوّل ولكن»... وهذه القصص كافة نشرت بالتّعاون مع دار «أصالة».

بالإضافة إلى كتاب الأغاني «أغنّي بالعربيّة» المؤلّف من 25 أغنية لمنهج الرّوضات والحلقة الأولى من المرحلة الابتدائيّة، والّذي أُنتج بالتّعاون مع «دار العلم للملايين». نالت هذه الإنتاجات كلها استحساناً ونجاحاً لمسته من المتعلّمين أنفسهم، ما يدفعني إلى متابعة إنتاجي.

ما جديدك؟

تعاونت هذا العام مع «دار المعارف اللّبنانيّة» في ترجمة قصص عالميّة إلى اللّغة العربيّة، ويميّز ترجمتي الأسلوب المسجّع الّذي اعتمدته، بالإضافة إلى ترجمة نوادر جحا المضحكة. كذلك ألّفت قصصاً للحروف العربيّة بأسلوب مبسّط وقصير حيث تحوي كلّ كلمة في القصّة الحرف المقصود وأشكاله. وعلى أمل أن يتمّ العمل على منهج متكامل وعصريّ للرّوضات في مرحلة قريبة إن شاء اللّه.

محطات من سيرة

الكاتبة ماري مطر حائزة إجازة تعليميّة في الأدب العربيّ من الجامعة اللّبنانيّة بالإضافة إلى الكفاءة التّعليميّة للمرحلتين: المتوسّطة والثّانويّة. معلّمة لغة عربيّة ومنسّقة لها في مدرسة لويس – سيتي إنترناشونال سكول في بيروت. مؤلّفة قصص وأغان في اللّغة العربيّة الفصيحة بمشاركة الشّاعرة ليندا نصّار، فضلاً عن وضع مناهج تربوية، وترجمة قصص ووضع أسئلة حولها، وتحضير ورش عمل مختلفة لتدريب معلّمين في مدارس داخل لبنان وخارجه.