فلورنس نايتنجيل (1-2)

نشر في 19-09-2016
آخر تحديث 19-09-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم لا أتذكر المرحلة الدراسية التي كان مقرراً علينا دراستها، ربما كانت المرحلة المتوسطة فيها مواضيع عن إنكلترا وكانت سيرتها ضمنها، نسيت كل شيء عنها حتى رأيت تمثالاً لها بقصر واترلو بلندن ذكرني بها، ذاكرتي محت ما درسته عنها عدا أنها كانت ممرضة، واستغربت جداً من وضع تمثال لممرضة بأهم مناطق إنكلترا وبالقرب من البرلمان وقصر باكنغهام، تمثالها أثار فضولي، فقررت أن أكتشفها من جديد، خصوصاً عندما رأيت متحفها بالقرب من تمثالها فذهبت إليه، وهنا كانت المفاجأة التي كشفت لي عن دور امرأة قيادية مدهشة استحقت بجدارة تكريمها وتخليدها بهذه الصورة المحترمة.

عندما درت بأرجاء المتحف الجميل بديكوراته المبتكرة الذي ضم كل "فتفوتة" تخص حياتها، سواء كانت صوراً أو أوراقاً أو رسائل أو متعلقات شخصية، شعرت كأني اطلعت على أحداث تاريخ إنكلترا في 100 عام تقريباً، لأنها عاشت 90 سنة، أي ما يقارب قرناً بكل أحداثه وتغيراته، فمن هذه الشخصية نأخذ كل مكونات الزمن والمكان، لذا لا يمكن عزل أحداث حياتها عن المجرى العام للأحداث العالمية.

وقبل الدخول إلى تفاصيل حياتها أحب أن أبين بعض النقاط التي لفتت نظري في المتحف منها:

1- جمعت كل ما يمت إليها سواء متعلقات شخصية، مثل كل الهدايا التي حصلت عليها بداية من عمر 5 سنوات واحتفظت بها كلها، وقارنت بين ما يُهدى لنا وما نهديه لأطفالنا، وما بين ما أُهدي إليها، فمثلاً في عمر الخامسة أهداها ابن عمها كتابا عن الأشجار والنباتات 1824، كما أهدتها أمها كتاب قصص في عمر السادسة حينما كانت مريضة، وأهدتها في عيد ميلادها التاسع كتابا عن الطبيعة، وأهداها والدها كتابا لتاريخ إنكلترا مكتوباً للأطفال، وفي عام 1829 أهدتها عمتها كتابا عن دراسة القواقع، ولم تهد أي نوع من أنواع الألعاب، هذا عدا مجموعتها من القواقع والعملات القديمة التي باتت من كنوز المتحف، وفي مقارنة سريعة بين ثقافتنا الاستهلاكية السطحية وما بين ثقافتهم، يظهر الاختلاف الشاسع، فلا أظن أن هناك أياً منا أو من أولادنا قد احتفظ بهدايا الطفولة والصبا وما بعد ذلك، هذا إلى جانب اختيار نوعية الهدية التي لا يوجد ضمنها الكتب ونوعيتها التعليمية.

2- ما لفت نظري أيضاً وجود كلب محنط بـ"فترينة" زجاجية يعود إلى الممرضة "أيدث" كانت تخرج معه في نزهاتها الصباحية لتغطي هروب الجنود الجرحى من معسكر الاعتقال البلجيكي، واستطاعت تهريب 200 جندي، وكان هذا الكلب يموه عملية هروبهم، لذا عندما أعدمتها الزمرة الألمانية، أنقذت الكلب الأميرة "ماري" وعاش معها 7 سنوات، وبعد موته أرسلت جثته للصليب الأحمر ونقلت إلى أسرة الممرضة "أدث" في النيرويج، ثم نُقلت إلى المتحف في لندن الذي أهداه إلى متحف "فلورنس نايتنغيل".

احترامهم للدور البطولي للكلب، والصرف على تكلفة نقله من دولة إلى أخرى، وإهداؤه من متحف إلى آخر، شيء يجب أن نتوقف عنده، بصراحة احترامهم للحيوان ثقافة نفتقدها كعرب.

3- فلورنس نايتنغيل لم تتزوج، ورفضها للرجل الذي كادت تتزوجه في عمر 22، وهو السياسي الشاعر "رتشارد مونكتون ملينسي" تعرفت عليه عام 1842، وزواجها منه أسعد أمها لكنها تركته لسبب غريب هو اكتشافها لمجموعاته الإيروتيكية من كتب "ماركيز دو ساد" اعتبرت من يقرأها "مهردقا" لا يؤمن بالدين، وهي المتدينة التي درست العبرية فقط حتى تستطيع قراءة الإنجيل على أصله، ثم فضلت أن تعيش طوال عمرها عزباء، لأنه في العصر الفيكتوري كان دور المرأة الطاعة والتزام البيت وتربية الأولاد، وهي تمردت عليه.

4- تعلمت فن التمريض والنظام في إدارة المستشفيات وتضميد الجروح وإسعاف المرضى من مستشفيات الإسكندرية، عندما قامت بزيارتها لمصر، ودرست تاريخها القديم وأعجبت به، وهو ما كتبته في رسائلها الموجودة في المتحف والمسجلة بتاريخ 1849-1850، الأمر الغريب العجيب أن تكون بريطانيا في ذاك الوقت متخلفة في كيفية إدارة المستشفيات، وعدم وجود مهنة التمريض التي تفوقت عليها مصر في ذاك الوقت.

زيارة المتاحف تفيد في البحث والمعرفة عن أي شخصية، وأهم بكثير من قراءتها على الورق، ففي هذا المتحف وجدت كل ممتلكاتها من كتب ومؤلفاتها ورسائلها وحتى ملابسها.

back to top