«تحت الترابيزة»!
عندما يُصرح محمد سعد بأن فيلمه الجديد «تحت الترابيزة» يختلف عن أفلامه السابقة، التي اعتمدت على «الكاراكترات»، ويؤكد، بثقة يُحسد عليها، أن «الناس هتشوف محمد سعد بشحمه ولحمه ولسانه هو اللي بيتكلم»، ثم يتبين كذب الادعاءات، فثمة احتمال من اثنين لا ثالث لهما، إما أنه لم يُدل بهذا التصريح وإما أنه لا يدري معنى ما يقول!في فيلمه، الذي تغيّر اسمه من «أنا عندي شعرة» إلى «حنكو في المصيدة» قبل أن يستقر عند «تحت الترابيزة»، يجتر محمد سعد «الكاراكترات» التي جسدها سابقاً في «اللي بالي بالك»، «كركر»، «كتكوت»، «اللمبي 8 جيجا» و{تك تك بوم»، وكأنه يكتب أفلامه بنفسه، فلا جديد في الفيلم الذي كتب فكرته وائل عبد الله وصاغ له السيناريو والحوار وليد يوسف وأخرجه سميح النقاش.يعمل «عاصم» (محمد سعد) لحساب مكتب الاستشارات القانونية الذي يملكه المحامي الشهير «نجاتي» (حسن حسني)، ويتقاضى ملايين الجنيهات نظير تغيير إحراز قضايا السلاح والمخدرات، بمساعدة أمين الشرطة «مليجي» (إسماعيل فرغلي)، ما يُبطل محاضر الاتهام، ويبرئ المجرمين. لكنه ينقلب على نفسه، فجأة ومن دون مبرر، عندما يُكلف بالاتفاق مع «حياة النفوس» (نيرمين الفقي) لإنقاذ الوزير السابق «بهجت» (عزت أبو عوف) من حكم السجن لاتهامه بالاستيلاء على أراضي الدولة، وبيعها بثمن بخس لأحد رجال الأعمال. فيضع خطة محكمة للإيقاع برموز الفساد الثلاثة، بعد أن يوهم الجميع بموته في حادث سيارة، ويتقمص شخصية «حنكو» ابن عمه، الذي يُقدم نفسه بوصفه البلطجي وتاجر المخدرات ولص الشقق، كي يثير رعب مافيا الفساد، ويُحذرهم من التعرض له، وهي حجة ساذجة لا تقنع المتفرج، كون «حنكو» مجرد أبله، متخلف، مُشوه ومُعوق لا يختلف، بأي حال من الأحوال عن «اللمبي»، «كركر» و{كتكوت». بل إن الفكرة تتطابق بشكل كبير مع ما رأيناه في فيلم «اللي بالي بالك»، الذي يموت فيه «اللواء رياض المنفلوطي» في حادث ويحل مكانه «اللمبي»، ففي النسخة الرديئة الجديدة أيضاً يحظى «حنكو» بحب الطفلة «رانيا» (ندى) وأمها «هيا» (منة فضالي)، التي ينتابها الشك في كونه ابن عم المرحوم، وعندما تُضيق عليه الحصار يكشف لها السر!
لماذا استيقظ ضمير «عاصم»، الذي كان سيحصل على 15 مليوناً من الجنيهات مقابل تبرئة الوزير السابق ورجل الأعمال؟ وكيف غض الطرف، والضمير، عن قضايا المخدرات والسلاح، وانتفض عندما أصبحت القضية خاصة بالاستيلاء على أراضي الدولة، وهو الذي لم يُعرف عنه أنه وطني يُضحي بروحه فداء لتراب البلد؟ كل تفصيلة في فيلم «تحت الترابيزة» تفضح زعم محمد سعد عن تغيير جلده، وانقلابه على أفكار أفلامه السابقة الهابطة، بل يمكن القول إن ما وصل إليه في هذه التجربة يعكس الحال الميؤوس منها التي أصابته، والتي توصف بأنها أقرب إلى «الموت الإكلينيكي». فارتجال الحوار بلغ مداه، وملء الفراغات والمساحات بخزعبلات صار لا يُطاق، والحشو يتزامن مع مشاعر باردة، وانفعالات فاترة، وكوميديا مفتقدة، ورصيد البطل، الذي كانت تحتل أفلامه قمة إيرادات شباك التذاكر، وصل إلى الحضيض، وصار ينطبق عليه القول: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ»، وربما يخرج علينا، في يوم قريب، من يُطالب بالحجر عليه!بالطبع لا يمكن إلقاء مسؤولية فضيحة فيلم «تحت الترابيزة» على «النجم الذي هوى»، بل يتحمل المسؤولية الكاملة المخرج سميح النقاش صاحب فيلم «مقلب حرامية»، الذي ترك له الحبل على الغارب ليفعل ما شاء، فيدخل المؤسسة القانونية بدراجة بخارية، ويرتدي ملابس عجيبة، ويختار لزمات سخيفة، ويُكرر مواقف قديمة، ويستهلك نفسه، وكأنه يُصر على الانتحار، بينما يبدو المخرج لا حول له ولا قوة، باستثناء التوظيف الجيد للممثلة نيرمين الفقي في دور «حياة النفوس»، نظراً إلى ما تملكه من مواصفات الأنثى القادرة على الإغواء، وجرأتها في التحول إلى رمز للغواية؛ فيما اتسمت بقية الاختيارات بالتقليدية والنمطية؛ فالممثل حسن حسني صار مجرد «تميمة حظ» بالنسبة إلى جيل هنيدي وسعد... وغيرهما، ولم يعد لديه أي جديد يقدمه، والأمر نفسه ينطبق على عزت أبو عوف، بينما يُغلب على أداء منة فضالي التحفظ، ويُحركها الروتين، وكأنها موظفة عينتها القوى العاملة!الكاتب وليد يوسف بدوره بدا وكأنه اكتفى بوضع الخطوط العريضة للفيلم، ما شجع «سعد» على اجترار أدواره السابقة، وارتجال حواراته التافهة، ووقوعه في براثن العشوائية، وجاءت شخصية «حنكو» بمثابة تنويعة على «الكاراكترات» الهابطة التي اعتدناها في أفلامه كافة، كما جاء قرار المحكمة بالتحفظ على المحامي الشهير «نجاتي» والوسيطة «حياة النفوس»، وإعادة محاكمة الوزير «بهجت» ورجل الأعمال أقرب إلى الدعابة أو «النهاية»، التي تشترطها الرقابة. أما اختيار الشركة المنتجة التعاون مع محمد سعد فيؤكد أن ثمة شيئاً «تحت الترابيزة»!