إن كان الديمقراطيون يرغبون في التغلب على دونالد ترامب، فعليهم أن يتخطوا مرحلة الهلع ويبدؤوا العمل، فلو كان عالمنا عاقلاً وعادلاً لكان السباق الرئاسي هذا سهلاً جداً، ولكان المعلقون يعدون راهناً تحليلهم لانتصار هيلاري الأكيد بعد انتهاء السباق الانتخابي. لنتأمل في أسس هذا السباق: تتشرح وزيرة خارجية وسيناتورة سابقة تملك كل المؤهلات لتكون الرئيس ضد ديموغاجي خطير لم يسبق له أن تبوأ أي منصب رسمي، ويجب ألا نسمح له بالاقتراب حتى من البيت الأبيض، لذلك من المفترض أن تُحسم هذه القضية بسهولة.

لكن عالمنا ليس كذلك، والتقدّم الكبير الذي حققته كلينتون في استطلاعات الرأي الوطنية عقب المؤتمرات الحزبية، والذي كاد يتجاوز العشر نقاط، تقلّص إلى ما يُقارب النقطتين، وهذا مقلق بالتأكيد، بالإضافة إلى ذلك حقق ترامب تقدماً في استطلاعات الولايات المتأرجحة، فإذا عُقدت الانتخابات غداً تفوز كلينتون على الأرجح، لكن الثامن من نوفمبر ما زال بعيداً، ولا يخدم الميل السائد اليوم مصلحتها.

Ad

لمَ ازداد هذا السباق صعوبة؟ سمعت الكثير من النظريات، إلا أنني لست واثقاً من أنني أصدق أياً منها.

حقق منظّمَا حملة ترامب الحاليان، مديرة الحملة كيلي-آن كونواي ومديرها التنفيذي ستيف بانون، نجاحاً أكبر ممن سبقوه في منع مرشحهما من ارتكاب أعمال تدمره، فقد دفعاه إلى الاعتماد أكثر على شاشة التلقين (teleprompter)، والحد من نوبات غضبه، والبقاء طوال 48 ساعة من دون كتابة عبارات ساخطة غبية على موقع «تويتر»، ولا شك أن هذه إنجازات مهمة.

بالإضافة إلى ذلك تشارك كونوي بشجاعة في البرامج على محطات التلفزة كل يوم وتحاول تفسير ما لا تفسير له، فضلاً عن ذلك يجعلها مرشحها أحياناً تبدو كاذبة، كما حدث عندما نفت أن ترامب سينشر أي سجلات طبية في برنامج The Dr. Oz Show، لأنه قام بالعكس بعد بضع ساعات، وفي كل مرة تظهر فيها على شاشة التلفزيون، عليها أن تدعي أن أحد مواقف ترامب غير المنطقية منطقي بالفعل، أو أن هذا المرشح يتبنى مواقف راسخة في الكثير من المسائل، لكنها تتحلى بصبر لا ينتهي، فضلاً عن أنها مهذبة وغير عدائية.

في هذه الأثناء تمر كلينتون بمرحلة عصيبة، فعندما بدا أنها ستنجح في تخطي المعمعة الأخيرة التي أثارتها رسائلها الإلكترونية، أخبرت داعميها خلال حفل لجمع التبرعات أن نصف مؤيدي ترامب ينتمون إلى «سلة من البائسين»، ثم بدت غير ثابتة خلال ذكرى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر التي أُقيمت يوم الأحد لتعلن لاحقاً أنها تعاني ذات الرئة.

علاوة على ذلك بات الناخبون يألفون تصريحات ترامب الجاهلة والمسيئة وطبعه الحاد وكل العوامل الأخرى التي تجعله غير مؤهل ليكون رئيساً، في الأحوال العادية من المفترض أن يكون الفوز في هذه الانتخابات صعباً بالنسبة إلى مرشح ديمقراطي. ويعود ذلك إلى أن الحزب الذي يفوز بالبيت الأبيض لولايتين متتاليتين يواجه تاريخياً صعوبة كبرى في الاحتفاظ به لولاية ثالثة، فضلاً عن هذه الرياح المعاكسة يعتبر نحو 70% من الأميركيين أن البلد يسير على الدرب الخطأ، ولا شك أن هذا ينذر بالسوء بالنسبة إلى الحزب الحاكم.

لكن الحزب الديمقراطي يتمتع بمزايا بنيوية خلال السنة الانتخابية، كما أظهر باراك أوباما بوضوح، فيتمتع ائتلاف هذا الحزب، الذي يضم النساء، والشبان، والأميركيين المتحدرين من أصول إفريقية، وآسيوية، ولاتينية، بثقل متنامٍ كقاعدة انتخابية. في المقابل تشكّل قاعدة ترامب الأكبر سناً والأكثر بياضاً ورجولة شريحة تزداد تقلصاً بين الناخبين عموماً.

إذاً تميل الخريطة الانتخابية لمصلحة الديمقراطيين، مقدمةً لكلينتون دروباً أكبر للانتصار على ترامب، وإن فازت بفلوريدا يكن السباق الانتخابي قد انتهى، وينطبق الأمر عينه على أوهايو، حتى إنها قد تحظى بالمئتين والسبعين صوتاً انتخابياً الضرورية للفوز في هذه الانتخابات من دونهما.

لا طائل من القلق، على العكس من الضروري تحريك ناخبي الحزب الديمقراطي الراسخين، وخصوصاً في الولايات التي يحتدم فيها السباق، لأن هذا وحده يحقق الفوز.

* يوجين روبنسون | Eugene Robinson