حتى لو استطاع الأميركيون والروس، الشركاء في المؤامرة التي أوصلت سورية بعد خمسة أعوام من بدايات "انتفاضة" شعبها إلى كل هذه الأوضاع المأساوية، تطويق خلافاتهم الطارئة الحالية فإن الأيام المقبلة، وقد تكون قليلة، ستحمل المزيد من الخلافات الفعلية والشكلية، إذ إن ما بني على الخطأ أساساً لن تكون نتيجته إلا الصدام، خاصة أن الشرق الأوسط أصبح بمنزلة قنبلة متفجرة كبيرة، وأن سياسة التضميد المؤقت والاحتواء غير الجذري، إن كانت صمدت كل هذه الفترة "الطويلة" فإن المؤكد أنها لن تبقى صامدة، وستنهار حتماً تحت ضغط المستجدات الإقليمية والمستجدات الدولية التي ستكون حاسمة وفي منتهى الخطورة.

الآن أصبحت معالجة الأزمات المتفجرة في هذه المنطقة، وكل واحدة منها أخطر من الأخرى، مع أن هناك إجماعاً على أن الأزمة السورية أخطرها، تشبه معالجة ضرسٍ ملتهب في فك معطوب، وهذا يعني أن الأمور، إن في سوريا وإن في العراق وإن في اليمن وإن في الإقليم كله، أصبحت ينطبق عليها ذلك المثل القائل: "فالج لا تعالج"، وأن كل هذه العقد والتعقيدات باتت في حقيقة الأمر عصية على كل حلال، وهكذا فإن الأسوأ المتوقع هو أن تنفجر هذه المنطقة كانفجار قنبلة "منثارية"، لن يسلم من شظاياها حتى من يعتقدون أنهم في أبراج محصنة!

Ad

لقد أبرم الأميركيون والروس اتفاق هدنة أو اتفاق "لعنة" من وراء ظهر الطرف المعني، الذي هو الشعب السوري ممثلاً في المعارضة التي كان لابد من إلصاق صفة "المعتدلة" بها حتى لا يختلط الحابل بالنابل، ويصبح بالإمكان اعتبار كل المعارضين إرهابيين و"داعش" و"النصرة"، وهنا فإن ما يؤكد أن هناك أمراً فيه الكثير من الشبهات وأيضاً المؤامرات هو أن حال أصحاب العرس أو "المأتم" الفعليين تجاه هذا كله تبدو كحال "الأطرش في الزفة" الذي يرى زغردات وندباً وشق جيوب وإدماء خدود، لكنه لا يعرف شيئاً عما يجري وعما يدور حوله!

يقول الروس إن الأميركيين يصرون على عدم كشف النقاب عن الاتفاق الذي تم إبرامه بعد مناورات خمسة أعوام متتالية، وهم يقولون أيضاً إنهم لن يكشفوا النقاب عن هذا الاتفاق من طرف واحد، احتراماً للأعراف والتقاليد المتبعة في مثل هذه الحالات التي تعتبر سياسات دولية، ويقيناً ان مثل هذا الكلام يجسد دبلوماسية "التكاذب" على حقيقتها، وأن هذين الطرفين ينخرطان في لعبة أو مؤامرة دولية ستنكشف ذات يوم قريب أو بعيد، كما انكشفت اتفاقيات سايكس – بيكو القذرة المعروفة والشهيرة.

وهنا وعندما يقول الروس قبل الأميركيين إن ما تم الاتفاق عليه هو مجرد هدنة مؤقتة فإن السؤال التلقائي الذي يتبادر فوراً إلى الذهن هو: إذاً لماذا يا ترى كل هذه "الدربكة" وكل هذه المواجهات الاستعراضية في مجلس الأمن وفي غيره مادامت المسألة مسألة هدنة عابرة لا علاقة لها بالحل الدائم المطلوب على أساس "جنيف 1" والمرحلة الانتقالية ورحيل بشار الأسد، وباقي ما تبقى من هذا الاتفاق الذي هناك إجماع دولي على أنه هو الحل المطلوب والذي لا غيره أي حل!