لا مفر من التعاطي مع بوتين

نشر في 20-09-2016
آخر تحديث 20-09-2016 | 00:02
 أميركان كونسرفاتيف لم يهدأ الاستياء الجمهوري منذ إعلان دونالد ترامب أنه سيرد على فلاديمير بوتين بالمديح، إن أثنى عليه الرئيس الروسي، لذلك قصد الحاكم مايك بنس الكونغرس الأميركي ليصلح الروابط بين ترامب ونخبة حزبه، إلا أنه لم يلاقِ سوى الرفض والتنديد.

أخبر جون ماكين بانس أن بوتين «جزار ومجرم» وإن تقرّب ترامب منه غير مقبول، ولكن ما السبب الذي يدفع الحزب الجمهوري إلى الجنون كلما ذُكر اسم بوتين؟

يختلف بوتين كل الاختلاف عن ستالين، الذي دعاه فرانكلن روزفلت وهاري ترومان «جو الصالح» أو «العم جو»، وبخلاف نيكيتا خروتشوف، لم يغرق بوتين مطلقاً الثورة الهنغارية بالدماء، صحيح أنه سحق حركة الانفصال الشيشانية، ولكن هل يختلف ما قام به هناك عما فعله الجنرال شيرمان في أتلانتا حين أعلنت جورجيا انفصالها عن اتحاد لنكولن؟

علاوة على ذلك، دعم بوتين الولايات المتحدة في أفغانستان، وأيد صفقتنا النووية مع إيران، ووقّع خطة جون كيري التي سمحت لنا بتطبيق وقف لإطلاق النار في سورية والتعاون معاً للقضاء على إرهابيي «داعش» و»القاعدة».

رغم ذلك يردد كثيرون أن بوتين نفذ «اعتداء» ضد أوكرانيا، ولكن هل كان هذا اعتداء حقيقياً أم رد فعل استراتيجياً تلقائياً؟

ساهمنا في زعزعة النظام الموالي لبوتين والمنتخب ديمقراطياً في كييف، فما كان من بوتين إلا أن تدخل ليحمي قاعدته البحرية في البحر الأسود بإعادة ضم القرم، شبه الجزيرة تلك التي كانت ملكاً لروسيا منذ عهد كاترين العظيمة وصولاً إلى خروتشوف، وتقدِم القوى العظمى غالباً على خطوات مماثلة.

على سبيل المثال، عندما انتزع كاسترو كوبا من المدار الأميركي، ألم نقرر الاحتفاظ بغوانتنامو وتجاهل احتجاجات هافانا؟ ولا شك أن موسكو دعمت الثوار الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، ولكن ألم تشن الولايات المتحدة حملة قصف دامت 78 يوماً على صربيا الصغيرة كي تدعم حركة انفصالية في منشئها في ولاية كوسوفو؟

ما الاختلاف الأخلاقي الكبير في هذا الإطار؟

تعود العلاقات بين روسيا وأوكرانيا إلى 500 سنة قبل كولومبوس، وتشمل هذه العلاقات إيماناً قديماً مشتركاً، وتاريخاً معقداً، ومعاناة كبرى، ومظالم مهولة، على غرار تجويع ستالين ملايين الأوكرانيين في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن قبل جورج بوش الابن وأوباما، لم يظن أي رئيس أن الخلافات بين موسكو وكييف أمر يعنينا، فمتى تبدل هذا الوضع؟

تشير بعض التقارير إلى أن روسيا تقرصن مؤسساتنا السياسية، وإن صح ذلك فمن الضروري وقفها، ولكن ألم تتدخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والصندوق الوطني للديمقراطية، ومنظماتنا غير الحكومية في شؤون روسيا الداخلية منذ سنوات؟

بوتين رجل قومي يتطلع إلى أن تكون روسيا الأولى، إلا أنه يرأس أيضاً أمة تفوق أمتنا بنحو الضعف وتملك ترسانة توازي ما تتمتع به الولايات المتحدة، لذلك لا يمكن تحقيق السلام في أوراسيا من دونه، ونتيجة لذلك لا مفر من التعامل معه، فما نجنيه إذاً من نعته بشتى الأوصاف؟

بالإضافة إلى ذلك هل يرتكب بوتين عمليات قمع واضطهاد تفوق ما يطبقه حليفنا في حلف شمال الأطلسي، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان؟ وهل بوتين أكثر ظلماً من الرئيس الصيني كسي جينبينغ؟ ورغم ذلك قلما يستعمل الجمهوريون كلمة «مجرم» عند التحدث عن كسي.

قال لنا أعضاء عدة في مجلس الشيوخ، أمثال توم كوتون، إن من الضروري أن تكون الولايات المتحدة وإسرائيل على «وفاق تام». لا بأس في ذلك ولكن ما نظرة إسرائيل إلى بوتين «المجرم» وبوتين «الجزار»؟

عندما زار بوتين إسرائيل للمرة الأولى عام 2005، رحّب به الرئيس موشيه كتساف كـ»صديق لإسرائيل» وأعلن أرييل شارون أن بوتين «بين إخوته»، حسبما يؤكد الباحث في مجال السياسة الخارجية ستيفن سنيغوسكي.

بالإضافة إلى ذلك قصد بنيامين نتنياهو في العام الماضي وحده موسكو ثلاث مرات، كما زار بوتين إسرائيل، ويبدو أن العلاقة بينهما ممتازة، وزد على ذلك أن إسرائيل امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يؤكد «وحدة الأراضي» الأوكرانية، ورفضت تل أبيب أيضاً الانضمام إلى العقوبات المفروضة على دولة روسيا الصديقة، ونتيجة لذلك نشهد راهناً ازدهاراً كبيراً في العلاقات التجارية الروسية-الإسرائيلية.

وربما يستطيع نتنياهو، الذي حصل أخيراً من باراك أوباما (الذي لا يحبه حتى) على مساعدات أجنبية أميركية بقيمة 38 مليار دولار موزعة على مدى السنوات العشر المقبلة، أن يعلّم الحزب الجمهوري كيفية التعامل بوئام مع بوتين.

أعلن ليندسي غراهام أن 38 مليار دولار قد لا تكون كافية لإسرائيل، وأن نتنياهو قد يحتاج إلى المزيد، وأنه مستعد لمده بمبالغ إضافية.

هذا مذهل! يحصل نتنياهو، صديق بوتين، على 38 مليار دولار من السيناتورات أنفسهم الذين لا يترددون في توجيه صفعة مكاين-غراهام لدونالد ترامب حين يعلن أنه سيرد لفلاديمير بوتين المديح الشخصي.

* باتريك بوشانان | Patrick J. Buchanan

back to top