تقرير سياسي : «العدالة ضد رعاة الإرهاب»... مقصلة أميركية لإرهاب دول المنطقة

نشر في 22-09-2016
آخر تحديث 22-09-2016 | 00:03
No Image Caption
أثار القانون الأميركي المسمى «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، (جاستا)، الذي أقره الكونغرس مؤخراً بالإجماع وبتوافق حزبيه الجمهوري والديمقراطي ردود أفعال عربية وإسلامية رافضة، لما يشكله من خطورة على مبادئ التعامل بين الدول والحفاظ على سيادتها، لاسيما في مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة.

وفي حين يلقي هذا القانون بتداعيات عديدة على منطقة الشرق الأوسط من شأنها أن تؤجج جذوة الحروب والتوترات المستعرة هنا وهناك، شددت تصريحات وبيانات، من مسؤولين ومنظمات، على أن هذا القانون مخالف للأعراف الدولية ويمس سيادة الدول.

بموازاة ذلك، رأى مراقبون أن ذلك القانون، الذي سيسمح بمقاضاة الدول التي ترعى الإرهاب، كما سيسمح للناجين وأسر ضحايا هجمات سبتمبر بملاحقة دول يثبت تورطها في ذلك، ليس له من اسمه نصيب، بل هو مخطط أشبه ما يكون بمقصلة لإرهاب دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وتكبيل لسيادتها بقرار من الولايات المتحدة الأميركية.

واعتراضاً على قانون «جاستا» ارتفعت أصوات عديدة، أغلبها عربي بالطبع، بين مستاءة ومتخوفة ومستنكرة لهذا القرار، غير أن أبرز ردود الأفعال وأذكاها كان ما سطره وزير الخارجية السعودية عادل الجبير في مقال نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» أمس الأول، حيث أنعش ذاكرة الولايات المتحدة بأن لدى السعودية في الجوار دولة اسمها إيران تؤكد الوقائع العديدة رعايتها الإرهاب العالمي، معددا في هذا الصدد هجومها على السفارة الأميركية في بيروت، واستهداف قوات المارينز في مطار بيروت، مروراً بتفجيرات أبراج الخبر في السعودية عام 1996، وصولاً إلى استهداف عشرات السفارات الموجودة في إيران من البريطانية إلى الأميركية والسعودية، واغتيال الدبلوماسيين حول العالم، فضلاً عما يقوم به فيلق القدس والحرس الثوري من تدريب وتجهيز وتسهيل للعديد من المجموعات والأعمال الإرهابية، إلى جانب حمايتها قادة تنظيم القاعدة الملتجئين إليها وعدم تسليمهم وإصرارها على تمويل تنظيم «حزب الله» الإرهابي، مع إمدادها الإرهابيين والميليشيات الطائفية بالأسلحة ومحاولاتها الحثيثة لتأجيج النعرات الطائفية في البلدان العربية.

ولعل قراءة مقال الجبير تثير أسئلة ملحة تطرح نفسها، في مقدمتها: أين الولايات المتحدة من كل ما تقوم به طهران من محاولات إرهابية؟ ولماذا مكيالها مائل نحو طهران؟ ولماذا لا تمتلك إلا عيناً واحدة مسلطة على حلفاء طالما كانوا عونها في المنطقة؟ أهي سمات السياسة الأميركية الجديدة، أم هو التحالف، الذي لم يعد خفياً، ضد العرب؟ نعم كان المقال يتمحور حول إيران، لكنه في المقام الأول موجه إلى صانعي السياسات العرجاء في الولايات المتحدة.

ورغم ما جوبه قانون «جاستا» من استهجان دول عربية وإسلامية عديدة، لما ترى فيه من انتهاك لسيادتها، فضلاً عن تقويضه للاتفاقيات الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ورغم تلك البيانات التي أصدرتها دول ومنظمات تستنكر فيها هذا القانون، فإن أحداً لم يتطرق إلى طرح آلية ملموسة أو طرق فاعلة لمواجهة هذا الخطر المحدق.

مثالب التشريع

في حسابه على «تويتر»، انبرى رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي د. محمد رفعت لتعداد مثالب ذلك التشريع اللاقانوني، مؤكداً أن هذا القانون يخالف عدة أسس وقواعد قانونية راسخة لا يمكن تغييرها أو العبث بها، من حيث إنه تشريع جنائي، (والقانون الجنائي يسمى رياضيات القانون لشدة دقته وانضباط قواعده) غير أن الكونغرس بتشريع كهذا يخالف أهم قواعد القانون الجنائي، وهي أن فاعل بعض الجرائم لابد أن يكون شخصاً طبيعياً أي إنساناً لا شخصاً معنوياً.

ويوضح أن مصطلحات القانون تسمي الدولة أو الشركة أو المنظمة «شخصاً معنوياً أو اعتبارياً»، بينما تسمى الإنسان بالشخص الطبيعي، ولا يتصور قيام الاعتباري بجرائم مثل القتل أو الاعتداء البدني... وحتى إذا قام مسؤولون في دولة ما بمثل هذه الأفعال، فإنهم هنا أشخاص طبيعيون لا اعتباريون.

ووفقاً لرفعت، فإن القاعدة العامة بمختلف النظم القانونية هي أن الدولة مسؤولة عن الأخطاء الإدارية لمسؤوليها لا الجنائية، حيث تتم محاكمة هؤلاء الأشخاص أنفسهم لا الدولة، لكن القانون الجديد يخالف ذلك ليحمّل أي دولة، بصورة مباشرة، مسؤولية الجرائم الجنائية لبعض مسؤوليها، وهذا ما لم يشهده أي تشريع في العالم من قبل، إذ من شأن ذلك هدم أهم أسس القانون المتمثلة في «شخصنة العقوبة بفاعلها وعدم تعميمها»، كما أن تحميل الدولة تلك المسؤولية يعني تحميل شعب كامل مسؤولية جريمة اقترفها فرد أو أكثر منه، وواضح أن هذا جنون يخالف صريح المعاهدات والاتفاقيات الدولية ومبادئ ما يسمى بالمحاكمة العادلة والتي تأتي الولايات المتحدة في طليعة أطرافها وموقّعيها، كما سيهبط بأميركا من منصة معايير حقوق الإنسان التي تعتليها، والتي تحرم أن يمتد العقاب على الجريمة إلى غير فاعلها، فضلاً عن تناقضه مع اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية لسنة 2004.

تناقض صريح

وانتهى إلى أن هذا القانون، الذي قد يدخل إلى حيز التنفيذ قريباً، يشكل وبالاً على السعودية، حيث يعرف الكل أنه موجه ضدها رغم صياغته العامة، وهو ما يشكل تناقضاً صريحاً مع أهم خصائص القانون المتمثلة في وجوب عموميته. وبينما ذهب محللون وسياسيون إلى أن إصدار مثل هذا القانون «المعيب»، حسب وصف بعضهم، جاء للسطو على أموال الخليج، وبالأخص السعودية، رأى فيه آخرون فرصة لمقاضاة الكيان الصهيوني وإيران، استنادا إلى وجود تقارير تتحدث عن تورط جهاز الموساد الإسرائيلي والمخابرات الإيرانية في أحداث ١١ سبتمبر.

أما الرد الكويتي فجاء على لسان مصدر رفيع في وزارة الخارجية، بتأكيده أن تمرير القانون الأميركي والعمل به يلغيان ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الدولية، وأن عباءته لا تقتصر على دول الخليج وحدها بل تتسع لتشمل دولاً عدة، معلناً استمرار التحرك ضده، من الخليج وغيره، مع توقعه استخدام الرئيس الأميركي بارك أوباما حق «الفيتو» لرفضه.

مخالفة للمواثيق

وفي هذا السياق، يبرز بيان رابطة الدول الإسلامية التي رأت في هذا القانون مخالفة واضحة وصريحة لميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، وأسس العلاقات الدولية القائمة على مبادئ المساواة في السيادة، وحصانة الدولة، والاحترام المتبادل، وعدم فرض القوانين الداخلية لأي دولة على أخرى، كما اعتبرت أن إصداره سيهدد استقرار النظام الدولي، ما من شأنه أن يؤثر سلبا على الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.

وفي زمرة المواقف الرافضة كان لافتاً ما صدر عن المملكتين الأردنية والمغربية، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، إذ أعرب الأردن عن قلقه من تبعات القانون لما قد ينتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب في مرحلة تتطلب أعلى مستويات التنسيق والعمل المشترك، وسط تأكيد الناطق الرسمي باسم الحكومة، الوزير محمد المومني، أن «هذا التشريع يتعارض مع مبادئ المساواة في سيادة الدول الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة».

وبينما وصف المغرب مصادقة الكونغرس على القانون بأنه استهداف وتشويه لسمعة دولة صديقة للولايات المتحدة، مؤكداً أن هذا القانون يمكن أن يضعف الجهود الدولية، بما فيها الأميركية، في مجال مكافحة الإرهاب، دعا بيان صادر عن الخارجية المغربية إلى تحميل مرتكبي الأعمال الإرهابية مسؤولية أعمالهم من دون تحميل بلدانهم المسؤولية.

ولم تغب جامعة الدول العربية عن الركب الاستنكاري للقانون، إذ رأى أبوالغيط في هذا القانون أحكاماً لا تتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أو القواعد المستقرة في القانون الدولي، فضلاً عن عدم استنادها إلى أي أساس في الأعراف الدولية أو القواعد المستقرة للعلاقات بين الدول، والتي لا تقر، تحت أي ذريعة، فرض قانون داخلي لدولة على دول أخرى، وهو ما يجعل القانون «معيباً»، ينبئ بتداعيات محتملة على الأوضاع الإقليمية البعيدة أصلاً عن الاستقرار.

أما الزياني فأكد أن دول مجلس التعاون تعتبر هذا القانون الأميركي متعارضا مع أسس ومبادئ العلاقات بين الدول، وأن هذا القانون سيخل إخلالاً جسيماً بمبادئ دولية راسخة قائمة على المساواة بين الدول.

ثم عاد مجلس التعاون ليصوغ موقفه الرسمي من قانون «جاستا»، في بيان أصدره عقب اجتماع المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الـ140 أمس الأول بمقر الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة، برئاسة الجبير ومشاركة وزراء خارجية الدول الأعضاء، إضافة إلى الزياني.

وأعرب المجلس عن بالغ قلقه لإصدار هذا القانون، مؤكداً أنه يخالف المبادئ الثابتة في القانون الدولي، لاسيما مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الذي ينص عليه الميثاق الأممي.

back to top