الأغلبية الصامتة: العرب ومشروعهم الغائب
ما حصل ويحصل اليوم في أكثر من دولة عربية لم يكن مقبولاً سماعه قبل ست سنوات إلا على أنه حلم مزعج، وما قد يحصل بعد أشهر أو سنة في منطقتنا قد يجعلنا نترحم على أوضاعنا الحالية طالما بقينا دون مشروع موحد أو رؤية واضحة للحل، توقف الانهيار الحالي عند حده، وتضمن عدم تكراره مستقبلاً.
لم يحدث من قبل في التاريخ الحديث أن تزامن توقيت اشتعال الحرائق في الدول العربية في الفترة نفسها، فما يحصل ليس حروب تحرير واستقلال عن الاستعمار كما جرى في النصف الأول من القرن العشرين، بل هي حروب أهلية وساحات "تتفتح" لملل ونحل كلها تتذابح فوق الأرض العربية، بلا أفق أو أمل قريب بالتعافي.المقصود هنا ليس السرد وحصر ما يحصل في سورية والعراق واليمن وليبيا وحتى لبنان الذي يقف دوما بسبب الجغرافيا على حافة الخطر، المقصود والمأمول طرحه بقوة الآن هو سؤال مشروع عن أسباب غياب المشروع العربي الواضح في مواجهة المشاريع الواضحة لبعض القوى الإقليمية، وأعني بهما إيران وتركيا، والتي أخذت شكل التدخل المباشر.إنني لست بغافل أو متغافل عن أسباب غياب ما يسمى المشروع العربي الموحد؛ لأن التاريخ من ناحية ومعطيات الحاضر من ناحية أخرى، يقولان إن أفضل ما تحقق لا يتعدى المبادرة العربية المتعلقة بحل القضية الفلسطينية والباقي محصور في سياسة الأحلاف والمحاور المؤقتة، الشيء الذي دعاني للسؤال عن المشروع العربي الموحد هو الفشل الواضح في الملف الذي غالبا ما تتفق عليه الحكومات العربية، وهو الملف الأمني، في المقابل تتحرك كل من تركيا وإيران بسهولة في عدة دول عربية دفاعا عن مصالحها ومشروعها المكرس في استعمال أوراق الدول العربية المنهارة على طاولة المفاوضات مع القوى العظمى.
كل شيء أصبح "عاريا" ومكشوفا، إيران تستعمل حضورها الفعلي في العراق وسورية ولبنان لتخليص ملفها النووي، وتركيا تستغل اليأس "السني" المتضخم وموقعها كبوابة لدخول اللاجئين في مقارعة الاتحاد الأوروبي وأميركا، ذلك هو الواقع صراع المصالح للكبار وصراع المذاهب موهوب للبسطاء، أما العرب فغارقون في تصدير الحيرة للعالم، فلو كان الخطر بعيدا عنهم لعذرناهم، ولكن ها هو الخطر يتجسد من حولهم وداخل بلدانهم، سماؤنا باتت معرضاً مفتوحاً للطائرات الحربية المقاتلة وأرضنا ترتوي بما يخالطها يوميا من دماء الغرباء، وكل ما يخص شأننا يتداوله من لا شأن له بنا.إن البدايات لمعالجة غياب المشروع العربي الموحد بدأت بصورة فردية، وغالبا ما أتت من السعودية ومعها بعض الدول الخليجية، ولكن حتى هذه المجموعة المتضامنة لفترة طويلة غير متوافقة بما يكفي في سياستها الخارجية، حتى لو اتفقت فإن غياب مصر ضمن فريق الحل لن يؤدي إلا إلى التعجيل في تحقق كل التصورات المخيفة كالتفكك وتشييد كيانات عرقية وطائفية متنازعة.في الختام ما حصل ويحصل اليوم في أكثر من دولة عربية لم يكن مقبولاً سماعه قبل ست سنوات إلا على أنه حلم مزعج، وما قد يحصل بعد أشهر أو سنة في منطقتنا قد يجعلنا نترحم على أوضاعنا الحالية طالما بقينا دون مشروع موحد أو رؤية واضحة للحل، توقف الانهيار الحالي عند حده، وتضمن عدم تكراره مستقبلاً.