مع انعقاد الاجتماع المرتقب لمصدري النفط من داخل منظمة أوبك وخارجها بالجزائر في نهاية الشهر الجاري يكون سوق النفط قد أتم عامين وربع العام من تراجع الأسعار والتذبذب في التعاملات، فضلاً عن تحول تخمة المعروض إلى واقع في السوق.

ويعد اجتماع الجزائر الرابع من نوعه هذا العام بعد اجتماعي الدوحة 1 و2 إلى جانب الاجتماع الدوري لـ"أوبك" في يونيو الماضي. وجميع الاجتماعات السابقة فشلت في التوصل إلى حل لأزمة سوق النفط، الذي يعتبر فائض المعروض رأس جبل الجليد لأزمته المرتبطة أصلاً بضعف الاقتصاد العالمي، وتراجع النمو في آسيا، إلى جانب سياسات التقشف الأوروبية، فضلاً عن تنامي الإنتاج النفطي الأميركي.

Ad

تحديات مستمرة

ورغم التحديات المستمرة على صعيد الاقتصاد العالمي وتوقعات استمرار حالة التباطؤ في نموه وفقاً لصندوق النقد الدولي، الذي خفض النمو العالمي للعام الحالي بنسبة 0.2 في المئة وللعام المقبل بـ0.1 في المئة، إلى جانب تشاؤم وكالة الطاقة الدولية من آفاق السوق النفطي إلى مرحلة تخمة المعروض، خصوصاً في النصف الأول من العام المقبل، الذي سيشهد هبوطاً حاداً في نمو الطلب العالمي على النفط بالتزامن مع ارتفاع المخزونات وزيادة الإمدادات، إلا أن سياسات المنتجين في "أوبك" وخارجها لم تعتد حتى بالتمسك الهش بسقف إنتاج يناير الماضي، الذي اتفق عليه في اجتماع الدوحة 1، وهو السقف المتضخم أصلاً، ولم ينعكس حينها على أسعار السوق ولا على خفض المعروض في السوق.

روسيا والسعودية

فروسيا والسعودية أكبر منتجين للنفط الخام في العالم تتنافسان بشكل غير مسبوق في زيادة الإنتاج، إذ أعلنت روسيا أمس أن إنتاجها النفطي اليومي لامس أعلى مستوى في التاريخ ببلوغه 11.75 مليون برميل يومياً، في حين أعلنت "أوبك" أن السعودية ضخت أعلى مستوى على الإطلاق من النفط خلال يوليو الماضي بـ10.477 ملايين برميل يومياً، بينما يواصل العراق وإيران رفع مستوى إنتاجهما النفطي دون أي اعتبار لأي ترتيبات يمكن أن تحدث في السوق، فضلاً عن سعي طهران إلى استثنائها من أي اتفاق لتحديد الإنتاج أو خفضه لحين العودة إلى حصتها قبل العقوبات الدولية، التي بلغت في يوليو الماضي 3.629 ملايين برميل يومياً وتستهدف تجاوز حاجز الـ4 ملايين في اليوم، إلى جانب استحواذ بغداد على أكبر حصة زيادة في إنتاج "أوبك" خلال يوليو الماضي بفارق 74.8 ألف برميل يومياً مقارنة بيونيو الماضي، وصولاً إلى 4.320 ملايين برميل يومياً.

هذه الأرقام تأتي في وقت تنامي القلق في أسواق النفط بسبب عودة ليبيا ونيجيريا للإنتاج بعد توقف عدة أشهر نتيجة لظروف أمنية قاهرة، مما يعني عودة ما بين 700 و900 ألف برميل يومياً إلى السوق المتخم أصلا بحوالي مليوني برميل من الفائض اليومي، الأمر الذي سيعمل على خفض أكثر للأسعار ما لم يتخذ المجتمعون في الجزائر إجراءات تحمي السوق أو على الأقل تتجاوب مع أوضاع السوق النفطي الذي يعاني ضعفاً لم يشهده منذ نحو 17 عاماً.

إشارات إيجابية

ورغم الضعف، الذي يعانيه سوق النفط، فإنه قدم منذ بداية هذا العام إشارات على أن أي خفض، لا تجميد الإنتاج، يمكن أن ينعكس إيجاباً على الأسعار، فمثلاً عند صدور أخبار اتفاق المنتجين من "أوبك" وخارجها على خفض الإنتاج في اجتماع الدوحة 1، وتحديداً السعودية وروسيا، على خفض محتمل إلى 5 في المئة من الإنتاج اليومي قفزت أسعار النفط العالمية في ليلة واحدة بنحو 7 في المئة قبل أن تصدر أخبار أخرى عن أن الأمر لا يتعدى الاتفاق على تحديد سقف إنتاج لا يتجاوز إنتاج يناير الماضي، وهو ما لم يلتزم به المجتمعون أصلاً.

بل إن ما حدث في سوق النفط - قسراً - خلال مايو الماضي يعطي نموذجاً أفضل للاستناد إلى استجابة أسواق النفط لأي تحرك يدعم الأسعار، إذ شهد السوق في مايو الماضي مجموعة أحداث وقتية إلا أنها دعمت الأسعار سريعاً لخام برنت إلى ما فوق الـ50 دولاراً، كحرائق الغابات في كندا، والهجمات على خطوط الأنابيب في نيجيريا، وإضراب عمال المصافي في فرنسا، وتقلص كميات الإنتاج في العراق بسبب انقطاعات الكهرباء، فضلاً عن عامل أكثر استمراراً كتدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا وآثاره السلبية على الإنتاج النفطي، بل إن خفض الإنتاج لأسباب متنوعة تتعلق بالشحن والطقس والأعطال الفنية شمل دولاً أخرى كفنزويلا وكولومبيا والأرجنتين.

التعامل بواقعية

هذه الأحداث واجهتها دول الخليج وإيران برفع الإنتاج النفطي رغم أن عمليات توقف الإنتاج غير المخطط لها عطلت 3.6 ملايين برميل يومياً في مايو الماضي، وهو ما يزيد على 44 في المئة من الفائض المعروض في السوق العالمي وقتها والبالغ 2.5 مليون برميل يومياً، وكان يمكن أن تتحقق مكاسب أعلى للبرميل في مايو لولا نمو الإمدادات من الخليج وإيران وروسيا!

في اجتماع الجزائر يجب أن يكون الهدف هو إعادة التوازن إلى السوق عبر التعامل مع اقتصاد عالمي يتباطأ في النمو، والتعامل مع عوامل السوق الضعيف بواقعية أكثر مع الاعتراف بأن أهداف كعزل إنتاج النفط الصخري، أو تحقيق مكاسب سياسية أو إقليمية عبر سلاح النفط لم تعط نتائجها المرجوة منذ أكثر من عامين، وبالتالي فمن الأفضل التعاطي مع السوق وآلياته وحاجاته بعيداً عن أي حسابات أخرى.