مرت في الأسابيع الماضية الذكرى الخامسة عشرة لأحداث 11 سبتمبر، التي قلبت العالم رأساً على عقب، وما زالت توابعها مستمرة، فإذا كان الكثيرون قالوا إن العالم بعد 11 سبتمبر يختلف عن العالم قبله، فالمؤكد أيضاً أن الإرهاب بعد 11 سبتمبر يختلف عن الإرهاب قبل اصطدام الطائرات ببرجي التجارة الأميركيين.تطور مفهوم العنف عند الجماعات المتشددة، خلال السنوات الماضية، وصُدّر مفهوم أكثر قسوة وأكثر راديكالية، فجميعنا يذكر موجة العنف في أواخر القرن الماضي، وليست بعيدة عن الذاكرة عمليات القتل والترويع التي حدثت في التسعينيات، في عدد من الدول العربية، واعتمدت على أحكام قتل المدنيين في الشريعة الإسلامية ومنها مصر، والفتوى التي اعتمدت عليها الجماعة الإسلامية في الجزائر لقتل المدنيين، وهي "قتل الذرية والنسوان" المنسوبة إلى الجهادي أبي قتادة، وعلى الرغم من منسوب العنف الذي وصلت إليه الجماعات في تلك الفترة، فإن الجماعات الجهادية الجديدة استطاعت أن تتجاوز ذلك، وتطور نفسها على أكثر من مستوى، لتقدم مفهوماً جديداً للعنف الجهادي.
التطور الأول، هو تطور دور هذه الجماعات في القيام بعمليات تستهدف نقاطاً محددة، أو أشخاصاً أو مؤسسات، إلى الرغبة في إنشاء دولة، وهو تطور مهم جداً ربما تبدو بذوره موجودة في سيطرة فكرة الخلافة على جميع أفراد الجماعات الراديكالية، وهو ما استطاعت الجماعات الجهادية الجديدة تنفيذه، أو تنفيذ جزء منه، من خلال السيطرة على مساحات كبيرة من دول موجودة بالفعل لتقيم ركائز دولتها الوهمية، ومؤسساتها، وساعد في ذلك حالات التفرقة، والتشظي، الموجودة في المجتمعات الإسلامية والعربية، ودخلت فيها مصالح سياسية لدول وجماعات.وتجاوز الأمر ذلك، بأن أصبح لهذه الجماعات عدد من المؤيدين، في أجزاء من المناطق التي يسيطرون عليها، عندما فرض الجهاديون أنفسهم باعتبارهم مخلّصين للمجتمعات من الكفر، ويحملون مفاتيح الجنة، في ظل غياب تام للدول الأصلية.التطور الآخر المهم، في الاتجاه لتصدير العنف، وعدم الاكتفاء بوجوده في الحدود العربية والإسلامية، ليشمل كل دول العالم، فلم يعد هناك مجتمع أو دولة محصنة من وصول أذرع جماعات العنف بشكلها الجديد، عبر ما يعرف باسم "الذئاب المنفردة"، فضلاً عن استغلال هذه الجماعات لوسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد جهاديين جدد في مختلف دول العالم، يتم استخدامهم في إحداث موجة مستمرة من العنف في دول العالم المختلفة.الإشكالية هنا أن معظم الدول العربية، أو الدول التي يشكل المسلمون فيها أغلبية، انشغلت بالصراع الطائفي، والخلاف المذهبي، بدلاً من الانشغال بمحاولة حصار هذه الأفكار وهذه التطورات، بل إن الأمور تجاوزت هذا، إلى استخدام البعض هذه الجماعات في تحقيق أهداف سياسية ضيقة الأفق.لذلك يظل السؤال القديم: "لماذا يكرهوننا؟" حاضراً، وهو السؤال الذي طرحه الأميركيون، قبل 16 عاماً، وعقب أحداث 11 سبتمبر، حول الجماعات المتشددة والتكفيرية، والقاعدة مثالاً، والعرب من خلفهم، لكنه يحضر هذه المرة معكوساً، في ظل انتشار "الإسلاموفوبيا" في الغرب، لنسأله نحن، بل يكون حاضراً بقوة في الانتخابات الأميركية بعد ما أثاره المرشح الرئاسي دونالد ترامب، لكن يجب علينا هذه المرة أن نضيف إليه سؤالاً آخر: وإذا كانوا يكرهوننا، فمن المسؤول؟
مقالات
السؤال الآن: مَن يكره من؟
23-09-2016