قصة رفع سعر البنزين تحولت إلى كذبة كبرى لإلهاء الرأي العام عن الكثير من القضايا المهمة وحالة الفوضى السياسية العارمة التي تعيشها الدولة منذ عدة سنوات، وما تخفي هذه الفوضى من نتائج مخيفة على مستقبل الكويت، سواء ما يتعلق بتجفيف الموارد المالية أو التغطية على أمهات المشاكل والاختلالات التي نشهدها أو إخفاء معالم جرائم النهب المنظم للأموال العامة، خاصة في المشاريع المليارية المشبوهة!قبل أيام تم ترويج واحدة من أكبر الأكذوبات لإشغال الناس عن موضوع زيادة سعر البنزين في بدايته، حيث كانت القضية ساخنة وردود الفعل قوية جداً إلى درجة قدرتها على إلغاء ذلك القرار في مهده، وتمثلت تلك الكذبة في اختلاق قصة وهمية، وهي صدور عفو أميري بمناسبة عيد الأضحى، وهي قصة لم يكن لها أي أساس من الصحة، ولكن الناس لم تكتفِ بتصديق الكذبة، وإنما زادوا عليها البهارات بطريقة مضحكة مبكية، وحتى تكون الكذبة رائجة تم إقحام اسم النائب السابق مسلم البراك كمحور أساسي، وهل هو من المشمولين بالعفو؟ ومن كان يقول بأن تلك الرواية إنما هي مجرد "خديعة" كان الناس "ياكلونه بقشوره"! وقد تدّخل بعض النواب في تصريحات عجيبة وغريبة للترويج لفكرة تبديل وتغيير الأسماء الواردة في العفو، وكأن الموضوع حقيقي! وفعلاً نجحت أكذوبة العفو في أن تضرب الكويتيين بعضهم ببعض، وطفحت وسائل التواصل الاجتماعي بعشرات الآلاف من التغريدات والمقاطع الصوتية والرسائل النصية وتبادل القذف والاتهامات بناء على "وهم" وضاعت مع ذلك قصة البنزين!
انتهت صلاحية قصة العفو الأميري وعاد موضوع البنزين إلى السطح من جديد لتتبدى مسرحية أخرى هي طلب جلسة خاصة لمناقشة زيادة سعر البنزين وتوجيه استجواب للحكومة في محاولة بائسة لإعادة اسم مجلس الأمة للظهور بعدما انطمست ملامحه تماماً، والمضحك في طلب الجلسة الخاصة أن الكثير من نواب "الجوخ" الذين طبّلوا ودافعوا عن قرار الحكومة في زيادة سعر البنزين زجوا بأسمائهم في هذا الطلب الذي وُلِد ميتاً ولم يحصل على النصاب المطلوب! لذلك لم يتبق سوى تقديم الاستجواب الصوري بناءً على رغبة حكومية حتى يتعزز وجود المجلس في جيبها!موضوع البنزين انتهى عملياً، وإذا كان هناك بصيص من الأمل فهو في الدعوى المرفوعة أمام القضاء، وليس في أروقة البرلمان أو شوارب نوابه، وفي الوقت الضائع أصلاً، حيث لم يتبق من عمر هذا المجلس سوى أشهر محدودة، وفي اعتقادي أن استمرار المضغ في قصة البنزين خلال ما تبقى من دور الانعقاد الأخير هو لمجرد صرف الأنظار عن الكثير من الملفات التي استعرض بعض النواب عضلاتهم في فتحها وإعلان نتائجها أمام الشعب وفشلوا في ذلك مثل فضيحة الإيداعات والتحويلات، وملف "الداو"، والتستر على مشروع المطار والحرم الجامعي في الشدادية، والهبات المجانية للأراضي والمزارع والقسائم الصناعية، وفقدان الحكومة لأي برنامج حقيقي وواضح في معالجة الأزمة المالية وتحديد موعد إفلاس الدولة وإلغاء التموين عن المواطنين! السؤال المحيّر هو: متى يتعظ الكثير من الناس ويحررون عقولهم ولا يسلمونها إلى أصحاب المصالح التجارية أو السياسية للتلاعب بها متى ما أرادوا؟!
مقالات
كذبة البنزين!
23-09-2016