لو أن الجنرال باقري تواضع... وقال الحقيقة!
لو أن الإمام الخميني لم يعلن بصوت مرتفع، أنه تجرع وقف إطلاق النار في حرب الأعوام الثمانية كتجرع السم الزعاف لكان من حق رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري أنْ يتباهى بالإنجازات العسكرية التي حققتها القوات الإيرانية في هذه الحرب، وأن يطلق التهديدات التي أطلقها في الذكرى السادسة والثلاثين لحرب الخليج الأولى، ويقول إنَّ بلاده ستوظف خبراتها من تلك الحرب في خمس دول عربية هي العراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين! وبالطبع فإن "التبجح" الزائد عن الحدود قد وصل بمدير المخابرات الإيرانية السابق إلى حدِّ القول، في خطاب استعراضي، إن قواته و"إخوانهم في العقيدة" في اليمن وفلسطين والعراق وسورية ولبنان تطبق في "الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر" تجارب حرب الخليج الأولى. كل هذا وهو يعرف أن الذين عاشوا تلك الفترة ما زالوا يتذكرون أن الإمام الخميني كان الأقرب إلى الحقيقة منه بألف مرة عندما قال، والألم الشديد يعتصره: "لقد تجرعت وقف إطلاق النار في هذه الحرب كتجرع السم الزعاف". إنَّ تجارب حرب الخليج الأولى التي تغنّى بها الجنرال محمد باقري من المفترض أن صورها لا تزال حية في أذهان قادة تلك المرحلة، على الجانب الإيراني، إذ كان حراس الثورة يحشدون الآلاف من الأطفال الإيرانيين ويدفعونهم بقوة السلاح ككتل بشرية لتفجير حقول الألغام التي كان العراقيون قد حصّنوا بها بعض محاور القتال التي تعتبر مواقع استراتيجية... فهل الانتحار الجماعي هو ما يفاخر به هذا القائد الفذ ويعتبرة تجربة "جهاد أكبر وجهاد أصغر" على إخوانه في العقيدة (في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين وسورية) تطبيقها واتباعها.
ثم إن المفترض أن الجنرال محمد باقري لديه الشجاعة الأدبية كعسكري محترف للاعتراف بأن "إخوانه في العقيدة" من العراقيين قد عادوا إلى بلادهم من المنافي البعيدة والقريبة خلف الدبابات الأميركية، وأنه ما كان بإمكان أيٍّ منهم الوصول إلى الموقع "السُّلطوي" الذي وصل إليه لو لم يضع المندوب السامي الأميركي بول بريمر تلك المعادلة التآمرية التي فرضها على الشعب العراقي، والتي فتحت حدود بلاد النهرين وأبواب مدنها لهذا الاحتلال الإيراني الذي جاء ردّاً على "إنجازات" حرب الخليج الأولى، والذي يتجرع الآن شرفاءُ العراق ويلاتِه وتجاوزاتِه وظلمَه، كما تجرع الإمام الخميني وقف إطلاق النار في عام 1988 الذي قال إنه تجرعه كتجرع السم الزعاف. لقد اقتربت انتفاضة الشعب السوري من دخول عامها السادس، وها هي قوات الجنرال محمد باقري، ومعها "إخوانها في العقيدة"، ومعها أيضاً قوات الاحتلال الروسي، لا تزال "تحرث في البحر"، فأين هي "الخبرات" التي اكتسبتها إيران من حرب الخليج الأولى، والتي توظفها، كما قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية، في خمس دول عربية هي: العراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين؟! رحم الله امرأً عرف قدر نفسه فأوقفها عند حدها... ويقيناً لو أن الجنرال محمد باقري توخى الحد الأدنى من الصدق مع نفسه أولاً ومع "إخوانه في العقيدة" ثانياً، لكان اعترف بأن فشله وفشل "إخوانه في العقيدة" هؤلاء في كل هذه الدول العربية التي أشار هو إليها كفشل إيران في حرب الخليج الأولى... وإلاّ فلمَ اعترف الإمام الخميني، رحمه الله، على أي حال "بأنه تجرع وقف إطلاق النار فيها كتجرع السم الزعاف"!