صناعة بطل

تابعت كغيري من المشاهدين حلقات المسلسل التركي التاريخي "قيامة أرطرغل"، والحق أن مشاهدة هذا المسلسل المكون من حوالي 120 ساعة تحتاج وقتاً كبيراً لا يتوفر لأمثالي، ولذلك عمدت إلى مشاهدته مجزّأ أثناء تنقلي، وسفري حتى لا أخسر وقتاً ثميناً، وحتى أملأ أوقات الانتظار بشيء مفيد.

تدور قصة "قيامة أرطرغل" حول سيرة حياة أرطرغل بن سليمان شاه، وهو والد عثمان مؤسس الإمبراطورية العثمانية، ويُظهر المسلسل هذا البطل شاباً جميلاً مدافعاً عن الحق وعن المظلومين، مجاهداً ضد المغول والصليبيين، يذكر الله ويتخلق بأخلاق الإسلام، هذا البطل الذي لم يكن يحمل هَمّ قبيلته فقط، بل يحمل هم أمة الاسلام التي تعاني الضعف والانكسار وكثرة الأعداء، فيتصدى لمهمته بكل انشراح ليوجد وطناً آمناً لقبيلته وينجح في ذلك أيما نجاح.

لم يكن لدي أدنى شك وأنا أشاهد هذه الشخصية أننا أمام صناعة بطل شعبي يحمل أفكار وخصائص حزب العدالة والتنمية التركي والذي لا يخفي دعمه لمثل هذا العمل الإعلامي المحترف. ويظهر جلياً أن هذا المسلسل لم يصنع من أجل الترفيه فقط، بل يحمل رسالة إعلامية وصورة ذهنية عما يراد أن يكون عليه البطل الشعبي لتركيا.

كتبت هذا المقال قبل إجازة الصيف ولم أكمله بسبب سفري إلى تركيا، ثم حدثت محاولة الانقلاب التي فشلت، والحمد لله على نعمة الاستقرار التي تنعم بها تركيا، وقد لاحظت لاحقا وأنا أحضر التجمعات المؤيدة للحكومة ولحزب العدالة الحاكم أن شخصية أرطرغل حاضرة حيث تم استخدام موسيقى المسلسل المذكور في هذه التجمعات وتمت إضافة كلمات إليها لتصبح نشيدا يمثل الحزب والرئيس التركي رجب طيب اردوغان وترددها الجماهير بكل حماس وإعجاب. كما لاحظت اتخاذ بعض الشباب الأتراك لموسيقى المسلسل نغمة لهواتفهم النقالة.

وتذكرني صناعة هذه الشخصية الشعبية بقصة بداية صناعة شخصية "السوبرمان" عام 1938 ثم سلسلة الأبطال الخارقين، والتي كما يقال كان الهدف منها، ولا يزال، رفع معنويات الشعب الأميركي، وبناء الصورة الذهنية عن الأميركي الخارق الشجاع الذي يستطيع ان يصنع المستحيل.

كما تذكرني سيرة أرطرغل بالأدب الشعبي العربي أو السير الشعبية مثل سيرة الظاهر بيبرس وغيره من أبطال العرب والمسلمين التي يتغنى الشعراء والقصاص فيها ببطولات هذه الشخصية وأخلاقها وشجاعتها

وإيمانها، وشتان ما بين البطل الغربي الذي يروج للعري والسرقة والتجسس والبطل العربي الذي يعزز مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام ويروج لها بين مختلف طبقات الشعب بأسلوب محبب.

أتمنى أن تكون سيرة أرطرغل مثالاً يحتذي من قبل الإعلام العربي للعودة إلى تراثنا الغني وإحياء مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام من خلال الشخصيات التي يقدمها للشعوب العربية؛ فما أحوج أبناءنا إلى القدوة التي تحبب إليهم مكارم الأخلاق ومعاني الفضيلة، بدلاً مما نراه من تعلق أبنائنا بشخصيات غربية مدمنة للمخدرات، أو سيئة الأخلاق تسرق وتهتك الحرمات وتقدم على أنها ناجحة ومشهورة ومحبوبة من قبل المجتمع.