مازالت أصداء رحلة الموت، التي خاضها نحو 500 شخص، في مركب للهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، تهز الرأي العام في مصر، بعد غرق المركب، الذي يحمل اسم "موكب الرسول رقم واحد"، ومصرع نحو 170 مهاجرا حتى الآن، حيث مازالت عملية انتشال الجثث مستمرة.

الملمح الرئيسي للرحلة، عكس أجواء حملت الكثير من الأهوال وصراع الأمواج والأحلام التي ابتلعها البحر، ورصدتها "الجريدة" في لقاءات أجرتها مع بعض الناجين، في الرحلة التي ضمت سوريين وسودانيين وإرتريين إلى جانب مصريين، غالبيتهم من مدينة رشيد التابعة لمحافظة البحيرة (شمال غرب القاهرة).

Ad

رحلات خطيرة من هذا النوع، كانت غالبا تضم شبابا فقط، لكن هذه المرة شملت الرحلة أسرا كاملة، سعت إلى تحقيق حلم العيش في أوروبا، لكن المشهد الأخير اختلف كثيرا، فعلى شواطئ رشيد مازال المئات ينتظرون وصول جثامين ذويهم بعد تأخر انتشالها من جانب قوات الإنقاذ، نتيجة اتساع الدائرة التي يجري فيها البحث.

من أبرز الحكايات المأساوية، قصة بدر عبدالحافظ، الذي فقد زوجته وثلاثة من أبنائه، على متن المركب، حيث أصيب بحالة انهيار عصبي، ويخضع للعلاج في مشفى رشيد، بعدما بقي في المياه لساعات، بينما فقد شاب ثلاثيني يدعى متولي محمد (عامل) زوجته وابنه الصغير، بعدما غرقا أمام عينيه ولم يتمكن من إنقاذهما، وقال لـ"الجريدة": "كنت أحلم بفرصة عمل توفر حياة كريمة لنا، لكن كل شيء ضاع... ليتني مت معهما".

ولأن الرحلة محفوفة بالمخاطر والوصول إلى نهايتها بسلام أمر شبه مستحيل، فإن بعض المهاجرين غير الشرعيين يخدعون ذويهم ولا يعلمونهم حقيقة سفرهم، ومن بين هؤلاء وائل محمود، من أبناء محافظة الفيوم (جنوب القاهرة)، الذي قال إنه خدع أهله للسفر إلى إيطاليا، مضيفا لـ"الجريدة": "أبلغت والدتي أنني سأغادر الفيوم إلى القاهرة للعمل مع والدي، وسافرت بصحبة ثمانية من أصدقائي، الذين توفي بعضهم - للأسف - غرقاً". وائل كشف سبب إقبال الراغبين في الهجرة، لخوض هذه الرحلة تحديدا دون غيرها، حيث قال: "صاحب المركب قال إنه لن يأخذ أي أموال إلا بعد أن نصل إلى إيطاليا، ونبلغ أهالينا في مصر بالوصول، وبعدها سيتوجه صاحب المركب إلى ذوينا ليأخذ 20 ألف جنيه، عن كل فرد".

من جانبه، ذكر سامح مصطفى انه اتفق مع ابن خالته للسفر معا على المركب الغارق، حيث سافر دون إبلاغ أبويه، مضيفا لـ"الجريدة": "ركبنا زورقا ثم مركبا خشبيا ثم مركبا كبيرا حمل على متنه 500 شخص، رغم أن سعته الأساسية 300 شخص فقط، وبعد غرق المركب ظللنا نسبح 6 ساعات إلى أن تم إنقاذنا".

المشهد كان مأساويا في مشفى رشيد الذي استقبل المصابين وجثامين الغرقى، فيما قالت مديرته نجلاء غانم لـ"الجريدة" إن هناك جثثا مجهولة حتى هذه اللحظة، وإن عمليات الانتشال مستمرة وعدد الضحايا في تزايد مستمر، والمشفى يعمل بكل طاقته لإسعاف المصابين.