التشكيلي اللبناني سمير الصايغ في معرضه الجديد...
الحرف فنٌ قائم بذاته
»ما بعد الكتابة (في غياب المعنى وحضور المعاني)«، منشورات ومطبوعات فنّيّة للناقد والشاعر سمير الصايغ فضلاً عن لوحات له، تعرضها پلان بي/ بيت في بيروت (22 سبتمبر- 22 أكتوبر). ويتميز أسلوبه بالبساطة والسلاسة محافظاً على أسرار الحروف ويفصلها عن الكلمات.
مع كارما طعمة التي فتح لها أرشيفه وخزائنه الممتلئة بأعماله الفنية والكتابية، أصدر الفنان سمير الصايغ كتاباً وثلاثة منشورات وملصقات حول موضوع «تحليل الخط». يعتبر الصايغ أحد فناني الخط الطليعيين في العالم العربي. يتمحور عمله حول ازدواجية المعنى والشكل في الخط العربي. استوحى لوحاته من النصوص الصوفية، وهو أحد أوائل الفنانين العرب الذين دفعهم التيار الحداثي إلى التغلغل في عمق التجريد في رسم الخط، فركز طوال حياته المهنية وضمن المعارض التي نظمها على الرسائل التي دفعته إلى التجريد، مستخدماً أسلوباً بسيطاً فريداً من نوعه يعكس صورته وشخصيته، إلا أنه اليوم في معرضه الجديد يأخذ خطوة إضافية، ويقدم نصوصاً فيها صفحات كاملة من شخصيته غير مقروءة عبرت إلى الجانب الآخر من الكتابة.
تقنية وعفوية
في بداياته كان سمير الصايغ شاعراً وكانت الحروفية بمثابة خيانة سرية، من ثم أصبح ناقداً ورساماً، وطوّر الخط فأضحى شكلاً تقنياً مغلفاً بالعفوية، يحافط على أسرار الحروف ويفصلها عن الكلمات، مبيناً إمكاناتها الجمالية والتعبيرية في آن. إذا كانت الكلمات في اللغة حدثاً فالحرف بمثابة مشهد بحد ذاته، عند سمير الصايغ، يلتقط شهب الكواكب في المساء ويعبر عن الرغبات والنهدات في منتصف النهار، ويأوي إلى مخدعه في الليل... ولا عجب في ذلك، فالحرف عنده كائن بحد ذاته، يحمل في طياته اختلاجات النفس والأحلام والتمنيات... الألف مثلاً ترمز إلى الشموخ الذي لا ينحني أبداً، والباء إلى بسمة الصباح، والصاد إلى الصدق والصوم، والسين تميل إلى الحنان والسلاسة والسحر... في الحروف يسافر سمير الصايغ إلى ما بعد الأفق وما بعد الكون فيلتقط النجوم ويرسم عالماً خاصاً به تتجاور فيه الأضداد والتناقضات، يتسلل فيه الحرف إلى سرّ الأسرار وقدس الأقداس. في إحدى محاضراته حول الخط العربي، اعتبر سمير الصايغ أن للخط العربي أهمية كبرى في الحضارات المتعاقبة، ففي الحضارة الإسلامية كان التواصل يتم حتى القرن العاشر عن طريق الحفظ وليس الكتابة، بعد ذلك انطلقت الكتابة ولم تتوقف، لافتاً إلى أن الخطوط في تلك الفترة كانت غاية في الروعة وتتميّز بجمال الشكل. لكن عندما جاء النص أضحت مهمة الحرف توضيح المعنى وراح يقدّم تنازلات، وفي حقبة السلطنة العثمانية صارت للخط قواعد ونسب، مستنتجاً أن الحرف إذا حررناه من اللغة يصبح فناً قائماً بذاته. في كل مرة يحمل الريشة ويضع أمامه مساحة بيضاء، يتغيّر أسلوب سمير الصايغ في رسم الحرف، فكلاهما مؤطران لتشكيل الحرف، ويبقيان ضمن ما هو مقدّر لهما أن يكونا. هذا التقدير حول كيفية استخراج الحرف من الأصل ونقله إلى أبعد من المعنى، انبثق منه عنوان معرض سمير الصايغ الجديد »ما بعد الكتابة (في غياب المعنى وحضور المعاني)«.صحيح أن رسم الخط العربي وإدخاله إلى اللوحات التشكيلية ليسا جديدين، لكن تكمن خصوصية سمير الصايغ في جعل الخط ينبض بالحياة، موظفاً أبحاثه ودراساته في إظهاره حالة خاصة بجمالية إيحائية بصرف النظر عن المضمون. ليس الحرف ناقلاً لكلمة ما بل هو بالنسبة إليه وسيلة وغاية، إنه البداية والنهاية إنه عالم مفتوح يتسع لكل ما يعبق في النفس من آمال وآلام.نبذة
• ولد سمير الصايغ في بيروت عام 1945، بدأ حياته شاعراً وناقداً فنياً. كتب مقالات في الصحافة العربية من 1970 إلى 1985، بعد ذلك كرّس نفسه لرسم الخط العربي مركزاً على طابعه الجمالي. كذلك خاض مجال خطوط الموضة مع مصممي أزياء في باريس وبيروت. • على مدى مسيرته الفنية، عرض لوحاته في معارض فردية وجماعية في لبنان والدول العربية وأوروبا. اليوم يعتبر أحد رسامي الخط العربي الطليعيين. كرم في بينالي الخط الأول في الشارقة. فضلاً عن ذلك هو باحث ولديه كتب حول الشعر الصوفي والفن الإسلامي.
سمير الصايغ يقدم نصوصاً فيها صفحات كاملة من شخصيته عبرت إلى الجانب الآخر من الكتابة
الحرف عنده كائن بحد ذاته يحمل في طياته اختلاجات النفس والأحلام والتمنيات
الحرف عنده كائن بحد ذاته يحمل في طياته اختلاجات النفس والأحلام والتمنيات