الأنبار قلقة حيال أمنها رغم غياب «الحشد»
متشددون أفشلوا «قوة الدفاع الذاتي» وواشنطن تؤجل الأزمة
مع تزايد التوقعات بقرب تحرير محافظة نينوى من تنظيم داعش قبل نهاية العام الحالي، يكثر في السجال العراقي القول بأن مرحلة ما بعد هذا العهد المؤلم يجب أن تفرز صيغة جديدة للأمن والسياسة.إلا أن النقاشات العراقية تتحاشى التعمق في أحوال المدن والمحافظات التي حُررت خلال الأشهر الماضية، رغم أنها تمثل نماذج مصغرة لما سيحصل في الموصل، أو غرف اختبار قائمة وتستحق الدرس.ويحرص الساسة في محافظة صلاح الدين، التي حررت العام الماضي، على تطوير علاقة براغماتية بحكومة بغداد، وأيضاً بقوات «الحشد الشعبي»، بما فيها المقربة من طهران، ويضعون الأولوية لإعادة بناء مدنهم المدمرة، رغم أن ذلك كلفهم الكثير من التنازلات، حتى ان مئات العوائل تخشى العودة إلى بيوتها لاحتمال وقوع أعمال ثأرية ذات طابع قبلي أو طائفي.
أما الأمر في الأنبار، التي حرر معظم مدنها خلال الأشهر الأخيرة، فلا يبدو باعثاً على الأمل الكافي بظهور صيغة تضمن عدم تكرار أخطاء الماضي، رغم أن الجيش الحكومي، الذي تطور أداؤه وانضباطه، وعرف بقربه من جناح الشيعة المعتدلين ومستشاري واشنطن، هو الذي يسيطر على معظم مناطقها، ويضمن عدم وقوع احتكاكات حتى الآن، وفق مصادر مقربة من الإدارة المحلية.وتؤكد المصادر أن الفصائل التي تمارس الانتهاكات لم تعد توجد إلا في المسافة القصيرة بين الفلوجة وبغداد شرق الأنبار، وفي نقطة بعيدة على الحدود مع سورية غرب المحافظة، كاشفة عدم ظهور مشاكل كبيرة مقارنة بالانتهاكات التي حصلت قبل ثلاثة أو أربعة أشهر. وتذكر أن مئات الشباب اتهموا بتورطهم مع «داعش»، وقامت الميليشيات بتغييبهم، ولم تتوافر لهم أي تحقيقات أو محاكمات عادلة، ولم يتمكن حتى رئيس الوزراء حيدر العبادي من استيضاح مصيرهم، ويبدو أن أهل الأنبار كفوا عن المطالبة بذلك، آملين أن يحول الجيش، الذي يسيطر على مناطقهم، دون تكرار المآسي.لكن الأوساط السياسية في الأنبار تتساءل عن المستقبل، إذ ليس من المعقول أن يبقى الجيش يدير المدينة، وهم يطمحون منذ اتفاقية تشكيل الحكومة في أغسطس 2014 إلى تشكيل قوة دفاع ذاتي تابعة للإدارة المحلية في الأنبار، تصوغ مفهوم أمن جديداً يكافح التطرف ويمنع حصول قمع منتج للعنف المضاد.ويوضح هؤلاء أن لحظة تحرير الرمادي الصيف الماضي شهدت تشكيل قوة من أربعة آلاف عنصر محلي جيدي التدريب والتأهيل، كانوا نواة لذلك المشروع، إلا أن ضباطاً مقربين من الجناح الشيعي المتشدد نجحوا في تمزيق تلك القوة، وتوريطها في أخطاء جعلتها اليوم بلا تسليح ولا مرتبات رغم وصول عددها إلى نحو 10 آلاف مقاتل.ويعربون عن اعتقادهم بأن الكتلة الشيعية ستظل تمنع ظهور قوة سنية مسلحة تصوغ الأمن المحلي، لأن بغداد تخشى ظهور تشكيلات تشبه قوات البيشمركة الكردية التي ضمنت استقلالاً كبيراً لمناطق كردستان.وستكبر هذه المخاوف في أطراف نينوى، التي تتحرر تدريجياً كل أسبوع، ويبدو أن واشنطن نفسها، التي انحازت لفكرة الدفاع الذاتي، أو ما عرف بمشروع «الحرس الوطني»، تؤجل هذه المشكلة، للتركيز على الحرب ضد «داعش» وضمان نصر سهل ونظيف.لكن الأوساط السياسية السنية تحذر من التمهل في تصميم معادلة الأمن الجديدة، لأن الفراغ والأخطاء سيشجعان على ظهور تطرف عنيف بعد «داعش»، يماثل شراسة التنظيم أو يفوقه، خاصة مع وجود نزاعات سياسية بين أحزاب الأنبار، ووجود تأزيم أكثر تعقيداً في مناطق نينوى، وشح كبير في الموارد التي يتطلبها إعمار عشرات المدن المدمرة في المنطقة السنية.