في أول مناظرة رئاسية، من بين أربع مناظرات، تبارز المرشحان؛ الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، للبيت الأبيض، مساء أمس الأول أمام عشرات ملايين الأميركيين، خلال 90 دقيقة نارية.
وعلى الرغم من أن غالبية وسائل الإعلام الأميركية، أعلنت فوز كلينتون بالمناظرة، فإن المراقبين أجمعوا، أن أيا من المرشحين لم يرتكب أخطاء فادحة تجعله يخسر مؤيديه، في حين لم يكن أداء المرشحين كافيا لترك أثر على الاميركيين الذين لم يحسموا خيارهم بعد قبل 42 يوما من الانتخابات. وطوال 90 دقيقة تواجه المرشحان حول رؤية كل منهما للمستقبل والاقتصاد والامن والسياسة الخارجية وغيرها من المواضيع مثل التصريح الضريبي لترامب أو الرسائل الالكترونية لكلينتون.وانتقد الملياردير الشعبوي أداء كلينتون السياسي، قائلا إن «هيلاري تحظى بالخبرة، لكنها خبرة سيئة». وقال إن «بلادنا تعاني بسبب القرارات الخاطئة التي اتخذها أشخاص مثل كلينتون».لكن الديمقراطية التي تبلغ قريباً عامها التاسع والستين، كانت مستعدة بشكل جيد للمناظرة، حيث استعادت ماضي ترامب واستخدمت قسما من المناظرة لإثبات معرفتها بالملفات الدولية.وهدف وزيرة الخارجية السابقة التي يقول 60 في المئة من الاميركيين انهم لا يثقون بها، هو تحسين صورتها حيث بدت هادئة الأعصاب وثابتة ومبتسمة. وتلك التي كانت تواجه انتقادات بالانفعال خلال تجمعات انتخابية، لم تخض أي مواجهات وتركت المجال لترامب ليقاطعها.وبدا المرشح الجمهوري منضبطا نسبيا، لكن أكثر حدة منها، حيث كان يشرب الماء ويحرك يديه ويتنهد عدة مرات. كما اعترض ضد الإعلامي الذي كان يدير المناظرة ليستر هولت بعدما صحح له معلومات بخصوص مكان ولادة الرئيس باراك أوباما.واستفادت كلينتون القوية بخبرتها الدبلوماسية، من الفصل المتعلق بالسياسة الخارجية في مناظرتها ترامب، لتقدم نفسها على أنها ضامنة لوعود وتحالفات الولايات المتحدة.وفي حديثها عن «التساؤلات والقلق» الذي عبر عنه قادة في العالم من المواقف التي أبداها رجل الاعمال الشعبوي، بدت وزيرة الخارجية السابقة في رئاسة باراك أوباما مرتاحة ومدركة لتقدمها عليه، في وضع المؤهلة للرئاسة.وقالت بلهجة حازمة وهي تحدق بالكاميرا «باسمي واعتقد باسم غالبية من الاميركيين، أريد ان اقول ان كلمتنا تتمتع بالمصداقية».أما ترامب الحديث العهد في السياسة الذي اتخذ موقفا دفاعيا في أغلب الاحيان وفقد في بعض اللحظات الهدوء النسبي الذي برهن عليه منذ بداية المناظرة، فقد أعلن رسالته: «الطروحات التقليدية أخفقت وحان الوقت للانتقال الى شيء آخر».
اتفاق إيران
وفي الشأن النووي الإيراني، اعتبرت كلينتون أن إبرام الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني يظهر قوة الدبلوماسية، بينما أكد ترامب مجددا رفضه للاتفاق، ووصفه بأنه «صفقة فاشلة»، معلقا أنه من بين بنود الاتفاق كان يجب تضمين شرط حول «احترام اليمن وكل تلك الأماكن الأخرى»، في اشارة الى الدول التي تشهد تدخلا إيرانياً.وتساءلت كلينتون عن الطريقة التي سيهزم بها ترامب إيران قائلة: «هل ستقصفها؟»، فرد ترامب انه لا يمكن أن يستبعد أي شيء في التعامل مع دول مثل كوريا الشمالية وإيران.أتعاب الدفاع أو «الخوة»
أثار ترامب، قضية ما وصفه بدفع الدول «أتعاب الدفاع» أو «الخوة» لتلقيها الحماية من الولايات المتحدة من جديد، ذاكرا المملكة العربية السعودية وعدداً من الدول الأخرى، ومكررا تصريحاته السابقة بأنها «دولة ثرية»، ولكن هذه المرة استخدم ذلك في إطار محاولته إبراز خبرته كرجل أعمال على أنها «ميزة» في المفاوضات الاقتصادية السياسية.وقال ترامب: «ندافع عن اليابان، وندافع عن ألمانيا، وندافع عن كوريا الجنوبية، وندافع عن السعودية، ندافع عن عدد من الدول. ولا يدفعون لنا (مقابل ذلك) شيئاً، ولكن ينبغي عليهم أن يدفعوا لنا، لأننا نوفر لهم خدمة هائلة ونخسر ثروات... كل ما قلته هو انه من المرجح جدا أنهم إن لم يدفعوا حصتهم العادلة... فقد يضطرون إلى الدفاع عن أنفسهم أو عليهم مساعدتنا، فنحن دولة لديها ديون تبلغ 20 تريليون دولار، عليهم مساعدتنا».وأضاف ترامب مشدداً على أهمية «القدرة على التفاوض في صفقات التجارة»، معلقا: «عليك أن تكون قادرا على التفاوض، مع اليابان ومع السعودية. هل تتخيلون أننا ندافع عن السعودية؟ بكل الأموال التي لديها، نحن ندافع عنها، وهم لا يدفعون لنا شيئاً؟».من يملك الطاقة؟
وقال ترامب، إن منافسته المعروفة ببرودتها وعدم حماستها «لا تتمتع بالطاقة اللازمة (...) لتولي رئاسة هذا البلد، لا بد من التحلي بقدر هائل من الطاقة». فردت عليه كلينتون: «بعد لأن يزور 112 بلدا ويتفاوض من أجل التوصل الى اتفاق سلام ووقف لإطلاق نار وإطلاق سراح منشقين (...) او بعد ان يمضي 11 ساعة وهو يدلي بشهادته أمام لجنة تابعة للكونغرس، عندها يمكنه التحدث عن الطاقة».«داعش»
وعن «داعش»، قال ترامب «اذا نظرنا الى الشرق الاوسط، انه في حالة فوضى عارمة، وهذا امر حصل الى حد بعيد في ظل إدارتك»، قبل ان يتحدث مطولا عن صعود تنظيم الدولة الاسلامية.وأضاف متوجها الى منافسته: «أنت تتحدثين عن تنظيم الدولة الإسلامية لكنك كنت وزيرة للخارجية عندما كان لا يزال في طور النشوء. الآن انتشر في 30 دولة وتريدين التصدي له؟ لا أعتقد ذلك».وقال ترامب، إن كلينتون «تخبركم بكيفية محاربة داعش على موقعها الإلكتروني. أنا لا أعتقد أن الجنرال دوغلاس ماك- آرثر سيعجبه ذلك إلى حد كبير»، وردت كلينتون بالقول:»على الأقل لدي خطة لمقاتلة داعش». ورد عليها ترامب: «لا لا، أنت تقولين للعدو كل ما تنوين القيام به ولا عحب أنك تقاتلين داعش خلال حياتك منذ سن البلوغ كلها». وأوضحت كلينتون أنها ستركز على قتل قادة «داعش» وفي مقدمهم زعيمه أبوبكر البغدادي، وستشدد الرقابة على المتشددين عبر الإنترنت، وتواصل دعم المعارك الجارية ضد التنظيم في العراق وبعض المناطق السورية.العراق
وعن العراق، قال المرشح الجمهوري، إن الرئيس الحالي باراك أوباما وكلينتون «خلقا فجوة في العراق بسبب الخروج العسكري من هناك، وبسبب ذلك انتشر داعش»، فردت كلينتون: «(الرئيس السابق جورج) بوش هو من أبرم اتفاقية الخروج من العراق لا أوباما. ادعاءاتك كاذبة».ونفى ترامب بشكل قاطع تأييده مشاركة الولايات المتحدة في حرب العراق، عندما اتهمته كلينتون بدعم القرار، علما بأنها صوتت لمصلحة القرار عندما كانت عضوا في الكونغرس.«النووي»
لكن كلينتون بدت أكثر حدة حول المسألة النووية وانتقدت موقف ترامب، مؤكدة أن «رجلا يمكن إغضابه بتغريدة يجب الا تكون يده قريبة من الشيفرات النووية».وبعد أن شددت على السياسة الاميركية لمكافحة الانتشار النووي التي اتبعها كل الرؤساء الاميركيين الجمهوريين والديمقراطيين منذ عقود، تساءلت عن القدرة على الحكم التي يملكها مرشح «قال عدة مرات ان امتلاك دول اخرى أسلحة ذرية لا يهمه: اليابان وكوريا الجنوبية وحتى السعودية».وأضافت أن «للكلمات اهمية عندما تصدر عن مرشح للرئاسة. وتكون أهميتها أكبر عندما يصبح رئيسا».والدك مليونير
وظهر من خلال المناظرة أن كلينتون تعمدت إلقاء الطعم له من خلال ذكر والده مشككة في كون ترامب رجلا عصاميا.وقالت كلينتون: «دونالد كان محظوظا بحياته وكل هذا كان لمصلحته. لقد بدء عمله بـ14 مليون دولار اقترضها من والده، وهو يعتقد إذا ما تمت مساعدة الأثرياء سيسير الاقتصاد بشكل جيد».وأضافت «أما أنا فقد عانى والدي الذي كان يبيع الأقمشة والنسيج فقد عانى الأمرين»، مذكرة اكثر من مرة بأنها أتت من طبقة وسطى.ورد ترامب عليها «قرض صغير هذا ما أخذته وحولته إلى شركة تساوي الملايين، وهذا التفكير هو ما تحتاج إليه بلادنا».الضرائب
واستعانت المرشحة الديمقراطية بالقضية المثارة بشأن عدم تقديم منافسها لتقاريره الضريبية، لتضعه في موقع دفاعي.وفي محاولة لإثارة حنق ترامب، قالت كلينتون، إن المرشح الجمهوري يرفض الكشف عن دخله الخاضع للضرائب حتى لا يظهر للأميركيين أنه لم يدفع شيئا يذكر للضرائب الاتحادية، أو أنه ليس ثريا كما يقول.وقالت: «لابد أنه يحاول إخفاء أمر مهم جدا بل رهيب». ورد ترامب بالقول، إن دفع القليل من الضرائب أمر مهم بالنسبة له كرجل أعمال. وقال «هذا يجعلني ذكيا». وأضاف «لدي دخل هائل»، مشيرا إلى أن الوقت قد حان ليتولى إدارة البلاد شخص لديه دراية بأمور المال. وعارض ترامب بشدة زيادة الضرائب عن الأثرياء، وقال إن ذلك لا يفيد الأعمال ويؤثر على خلق وظائف، لكن كلينتون قالت إنه يريد أن يحمي «أمواله وأموال عائلته»، مشيرة إلى أن الضرائب مهمة من أجل دعم الطبقة الوسطى، وأن التجارب السابقة أثبتت أن تخفيض الضرائب على الأغنياء يفيدهم هم وحدهم وأشادت بالسجل الاقتصادي لأوباما.كلينتون تستعين بـ «النساء»
واتهمت كلينتون منافسها بمعاداة النساء معتمدة على تصريحات مهينة قالها بشأن نساء أميركا عموما وملكات الجمال على وجه الخصوص. وقالت إن ترامب وصف النساء في أميركا بأنهن «خنازير وكلاب»، كما وصف إحدى ملكات الجمال، بأنها «ملكة التنظيف المنزلي»، وذلك بسبب أصولها المكسيكية.آراء خبراء وشخصيات سياسية
علّق العديد من الخبراء والشخصيات السياسية على المناظرة الرئاسية الأولى، مدلين بآراء مختلفة عن أداء كل من المرشحين، وفي ما يلي عينة من هذه الآراء: • جون هوداك، خبير في معهد بروكينغز: لقد حظي دونالد ترامب بثلاثة اسابيع جيدة، لكن سلسلة النجاحات هذه انتهت مساء الاثنين، مضيفا: «سيكون من الصعب لناخب لم يحسم أمره أن يخرج من هذه المناظرة بقناعة بأن دونالد ترامب مستعد بشكل أفضل للمهام الرئاسية». وقال: «لم نشهد من قبل مثل هذا الأداء الممتاز من قبل كلينتون، والسيئ الى هذا القدر من قبل ترامب»، مضيفا «كلينتون كانت مسيطرة من البداية حتى النهاية».• ستيفن شميت، خبير سياسي في جامعة ايوا: لقد تمكن ترامب من الدفاع عن نفسه بشكل جيد، ولم يفقد السيطرة على نفسه.• تيموثي هيغل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ايوا: ايا من المرشحين لم يرتكب أخطاء، لكن ترامب فوّت فرصا اكثر من كلينتون. بدت أكثر بمظهر الرئيس، وهذا أمر ليس مستغربا.• رون بونغين، خبير الاستراتيجية بالحزب الجمهوري في واشنطن: أداء ترامب في المناظرة سيطرح أسئلة في أذهان كثير من الناخبين الذين لم يحسموا آراءهم بعد فيما يتعلق بقدرته على قيادة البلاد.وعلى ترامب إقناعهم بأنه سيكون بديلا آمنا، وأعتقد أن مدى نجاحه في ذلك محل أخذ ورد.• كريستوفر ديفاين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دايتون في أوهايو: رسالة ترامب ضاعت في بعض الأحيان وسط الإغراق في مبالغات استدعت ردوداً ساخرة من جانب كلينتون، وأضاف: «هو يحدد مشكلة يشعر الناس بالقلق حيالها، لكنه في حماسه لإثبات وجهة نظره يتجاوز الحد ويطلق ادعاءات لا تستقيم. وعند هذه النقطة تفقد فعاليتها».• آري فليشر، السكرتير الصحافي للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن «مقاطعة ترامب للحوار وانفعالاته ربما لم تخدمه جيدا، لكن داعمي المعسكرين مازالا على موقفهما، بينما لم تضف المناظرة شيئا للمترددين».• رودولف جولياني، الحاكم السابق لمدينة نيويورك: ترامب سيستعد بشكل أفضل للمناظرة المقبلة، في تلميح إلى أنه لم يكن على مستوى التوقعات.«واشنطن بوست»: كلينتون أفضل ولكن...
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالا علقت فيه على المناظرة الأولى التي جرت بين المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، أشارت فيه إلى أن «كلينتون لم تكن في أحسن حالاتها في المناظرة، وفي بعض الحالات بدت كأنها أفرطت في التمرين وروبوتية، إلا أن إجاباتها كانت أحسن من منافسها الجمهوري».وأشارت الصحيفة إلى أن إجابات كلينتون عن العلاقات العرقية فيها الكثير من العقل والقليل جداً من العاطفة، إلا أنها كانت أفضل بكثير من ترامب وكانت، كما هو متوقع، مستعدة جداً، واستخدمت سلسلة من الحقائق والأرقام، لا للدفاع عن قضيتها فحسب، إنما لانتقاد ترامب.ولفتت إلى أن «كلينتون برعت في تقريع خصمها بشأن الضرائب، وكان هجومها على مزاجه مؤثراً وفي ما يتعلق بنقطة ضعفها الكبرى، في استخدام بريد إلكتروني خاص في وزارة الخارجية، فإنها تجاوزت الأمر بسهولة، مقدمة اعتذاراً كاملاً قاطعاً، وتابعت المناظرة من دون ضجة كبيرة، وكان هذا عملياً فوزاً لها على كل الجبهات».وأفادت بأن «ترامب لم يبدُ مستعداً بما فيه الكفاية لهذه المناظرة، فقد بدا يعاني للتعامل مع أسئلة كان عليه أن يعرف أنها ستطرح عليه، ورده على محاولته التي استمرت 5 سنوات، لإظهار أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يولد في هذا البلد، كان يشبه رؤية حادث سير على البطيء».