أسدل الستار أمس على جيل الآباء المؤسسين في إسرائيل بالإعلان عن وفاة الرئيس السابق شمعون بيريز (93 عاما)، أحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق أوسلو للسلام مع الفلسطينيين في 1993، بعد جلطة دماغية أصيب بها قبل أسبوعين.

وقال رافي والدن، طبيب بيريز وصهره، إن "بيريز توفي أثناء نومه قرابة الساعة الثالثة فجرا، متأثرا بجلطة دماغية داخل مشفى في تل أبيب".

Ad

ونعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس التاسع لإسرائيل، وشدد على أنه "صاحب رؤية" و"بطل في الدفاع عن إسرائيل".

وقال نتنياهو الذي كان خصما سياسيا لبيريز إن الأخير كان "صاحب رؤية الى المستقبل. وكبطل في الدفاع عن اسرائيل، قام بتعزيز قدراتها في نواح كثيرة بعضها لايزال غير معترف بها حتى يومنا هذا"، في إشارة إلى دور بيريز في تطوير البرنامج النووي الإسرائيلي غير المعلن.

وكان بيريز أصيب في 13 الجاري بجلطة دماغية رافقها نزيف داخلي نقل على إثرها إلى قسم العناية الفائقة في مشفى تل هاشومير، حيث أعلن الأطباء أن وضعه حرج وأخضع للتنفس الاصطناعي في قسم العناية المركزة.

وبيريز هو الشخصية الأخيرة من جيل مؤسسي دولة إسرائيل، وأحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق أوسلو للسلام.

تفاعل ودفن

وفي ردود الفعل الغربية على وفاته، أشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما ببيريز "أحد الآباء المؤسسين لدولة إسرائيل، ورجل الدولة الذي اعتمد في التزامه من أجل الأمن والبحث عن السلام على قوته المعنوية الثابتة وتفاؤله الراسخ"، مضيفا: "نرى فيه جوهر إسرائيل ذاتها روح قتالية لا يمكن إنكارها".

كما أشادت به كل من برلين وموسكو وباريس وغيرها من العواصم.

وتم تحديد جنازة بيريز صباح غد في القدس، حيث سيدفن في مقبرة جبل هرتزل التي دفن فيها عدد من القادة الإسرائيليين الكبار، ومن المنتظر أن يشارك قادة من مختلف دول العالم في تشييع الراحل.

وقالت وزارة الخارجية الاسرائيلية إن الرؤساء الأميركي أوباما والفرنسي هولاند والألماني يواكيم غاوك وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز سيحضرون الجنازة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن بيريز كان يعمل "بلا كلل في السعي إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

تعزية فلسطينية

وفي أول رد فلسطيني رسمي على الوفاة، عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن أسفه وحزنه لوفاة بيريز، وقال إنه "كان شريكا في صنع سلام الشجعان" مع ياسر عرفات. وجاء ذلك في برقية تعزية بعث بها إلى عائلة بيريز.

حياة حافلة

ولد بيريز في بولندا عام 1923 لعائلة بيرسكي. كان والده تاجر أخشاب ثرياً، وكانت والدته أمينة مكتبة ومعلمة لغة روسية. هاجر عام 1934 إلى إسرائيل مع والديه وأخيه الأصغر. قُتل أفراد عائلة والديه، ومن بينهم جداه وعمه، لاحقا على يد النازيين.

تعلم بيريز في مدرسة زراعية وعمل في تربية المواشي وكان راعيا، ولكنه برز أكثر في وظيفة أمين الصندوق.

التحق بيريز عام 1947 بتنظيم الـ "هاغاناه"، الذي مثّل لاحقا قاعدة الجيش الإسرائيلي، وعندها بدأ بالعمل مع دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلي. عُين بيريز عام 1953، بسبب علاقاته القوية مع بن غوريون، مديرا لوزارة الدفاع، بينما كان عمره 30 عاما فقط.

عمل بيريز، حين كان يشغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع، على توطيد العلاقات التجارية بين إسرائيل حديثة العهد وفرنسا، ووقع على صفقات سلاح ليزود بها الجيش الإسرائيلي الصغير بأفضل ذخيرة في تلك الفترة. وزودت فرنسا إسرائيل بعشرات الدبابات، الطائرات النفاثة، ونظم المدفعية والرادارات. لقد شغل المنصب طوال سنوات الخمسينيات، وشغل منصبا مهما في إقامة معمل البحث النووي في ديمونا.‎

تقدم بيريز لم يتوقف، وتابع شغل العديد من المناصب، بصفته نائب وزير ووزير. وعين في سنة 1974، وزيرا للدفاع في حكومة إسحاق رابين الأولى، وكان له العديد من المواجهات مع رابين خلال هذا المنصب. كان رابين وبيريز خلال هذه السنوات بمنزلة عدوين لدودين، رغم انتسابهما لنفس الحزب.

حكمة وإجرام

وكان بيريز في وسط المعارك الكبرى في تاريخ إسرائيل، وفي صلب السجالات العنيفة التي واكبت الحياة السياسية بها. وإذا كان الاسرائيليون ينظرون إليه على أنه شخصية توافقية وأحد حكماء البلاد، فإن الشارع الفلسطيني يعتبر أنه لا يختلف عن قادة إسرائيل الآخرين، ويصفه بـ "المجرم".

وفي عام 1994، نال بيريز مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات جائزة نوبل للسلام عن "جهودهم لإحلال السلام في الشرق الأوسط".

ويرتبط اسم بيريز ببداية أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، وبقصف مخيم تابع للأمم المتحدة في بلدة قانا بجنوب لبنان في 1996 في مجزرة راح ضحيتها أكثر من مئة مدني.

وكان بيريز يصنف بين "صقور" حزب العمل، وقد وافق حين كان وزيرا للدفاع في السبعينيات على بناء أولى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. غير أنه انتقل في ما بعد إلى صفوف "الحمائم"، ولعب دورا حاسماً في إبرام اتفاقات أوسلو، في وقت كان رابين يشكك بقوة في العملية السلمية.

وفي سن الـ93 كان بيريز لايزال ينشط من خلال "مركز بيريز للسلام" الذي يشجع التعايش بين اليهود والعرب، في وقت باتت آفاق تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني مسدودة أكثر من أي وقت مضى.