«لف ودوران»!
لا أخفي سراً عندما أسجل أن الدهشة تملكتني حيال الضجة التي صاحبت عرض فيلم «لف ودوران»، مع أول أيام عيد الأضحى المبارك. الفيلم الذي كتبته منة فوزي وأخرجه خالد مرعي وقام ببطولته أحمد حلمي ربما يُعد الأفضل مقارنة بالأفلام الخمسة الأخرى التي طرحت معه في الموسم نفسه، لكنه ليس أفضل أفلام حلمي ومرعي، كما أنه ليس أفضل أفلام الموسم، رغم الإيرادات العالية التي يعلنونها في بورصة شباك التذاكر يوماً بعد الآخر!لعلي لا أبالغ أيضاً عندما أقول إن «لف ودوران» فيلم يروج لعودة السياحة في شرم الشيخ، بل كأنه يسعى إلى تلطيف الأجواء بين مصر وإيطاليا. فالموضوع يحتمل التصوير في أية مدينة ساحلية، وليس فقط شرم الشيخ التي تعاني جدباً سياحياً، والفتاة التي تحمل الجنسية الإيطالية، وتم الزج بها في الأحداث يمكن أن تحمل أية جنسية أجنبية، كما أن وجودها لا يحتل أهمية في الأحداث، ويمكن حذفها من دون أن تتأثر بنية الفيلم!
يبدو التهافت الدرامي، بل الهشاشة، في فيلم «لف ودوران»، مع الفكرة التي تدور حول المرشد السياحي المتأنق «نور» (أحمد حلمي)، الذي يعاني البطالة، في أعقاب تراجع معدلات الإقبال السياحي، وفي بحثه عن فرصة عمل بديلة يحلّ مكان صديقه «هاني» (ياسر الطوبجي)، في الرحلة التي كوفئ بها من منتجع سياحي في شرم الشيخ، بمناسبة زواجه الذي ألغي في اللحظة الأخيرة، بينما تنتحل «ليلة» (دنيا سمير غانم) شخصية العروس كي لا تتأثر سمعة موقعها الإلكتروني الذي يحمل اسم «الست لما». فالتلفيق واضح، واصطحاب «يحيى» عائلته المكونة من أمه «عايدة» (ميمي جمال) وخالته «ناهد» (صابرين) وشقيقته «جومانا» (جميلة عوض) وجدته «سندس» (أنعام سالوسة) لا يتسق مطلقاً والواقع، والزج بالفتاة الإيطالية «بريلا» تحت زعم أنها ابنة شقيقة الزوجة الإيطالية للأب الذي هاجر إلى هناك، وأوصى ابنه باستضافتها في شرم الشيخ، فيه لي لعنق الدراما، خصوصاً أن «بريلا» ظهرت شاحبة بشكل يدعو إلى الأسف، وجاءت محاولة استثمار وجودها لإثارة رعب الأم من احتمال خطفها الابن، وتكرار مأساة الأب المهاجر، عبثية وغاية في السذاجة!منذ اللحظة الأولى التي جمعت بين «نور» و{ليلة» يتنبأ المتابع المحترف بالنهاية السعيدة، التي تتأخر قليلاً بسبب التطويل والثرثرة لكنها تأتي بكل تأكيد، خصوصاً أن الغيرة تتملك «ليلة» من الإيطالية «بريلا»، والعائلة نفسها تُحبذ زواجهما وتعمد إلى إقصاء الأجنبية، وتشجيع «المنتج المحلي»، مستعينة بمسؤول العلاقات العامة «حمادة» (بيومd فؤاد) الذي وقع في غرام الخالة «ناهد» (صابرين) من أول نظرة، وغض الطرف عن خطأ إجراءات دخول المنتجع السياحي، ودبر خطة للجمع بين «نور» وVليلة» في جزيرة معزولة تُقرب المسافات بينهما، وهي الحيلة التي ضربت الفيلم في مقتل، نظراً إلى تأخر الالتجاء إليها، والتكرار (مونتاج خالد سليم) الذي سيطر على مشاهد الجزيرة، فضلاً عن أنها جاءت بعد زوال خطر الإيطالية «بريلا»، نتيجة لمغادرتها البلاد!كعادة أفلام أحمد حلمي، تسيطر الحوارات الذهنية والتهويمات الفلسفية، كما رأينا في «لعبة الكلمات» الأقرب إلى جلسات المكاشفة في عيادات المصحات النفسية، وإدراك «نور» حقيقة صورته لدى أفراد عائلته، كاتهامه بالأنانية، وأنه «زي القرع يمد لبره»، كما يتسم الفيلم بتكريس «السينما النظيفة»، رغم حاجة بعض المشاهد إلى التمرد على هذا المصطلح الرديء، وإضفاء مصداقية وواقعية، بدلاً من تصوير البطلين كأنهما شقيقان ليس أكثر!أفضل ما في فيلم «لف ودوران» عنوانه، فالمراوغة تمثل ملمحاً أساسياً، سواء في المواقف أو الشخصيات. الابن يلف ويدور على العائلة كي لا تسافر معه إلى شرم الشيخ، وعندما يفشل يُخفي حقيقة الفتاة الإيطالية، والعائلة تلف وتدور لتمنع زواجه، وتؤدي دور الوسيط بينه وبين وطنه، التي تلف وتدور للفوز بثقة المنتجع السياحي، بينما مسؤول العلاقات العامة يلف ويدور للفوز بثقة الخالة، حتى لو أدى الأمر إلى توريط نفسه في مخالفات قانونية ووظيفية. في ما عدا هذا، يشهد الفيلم تراجعاً كبيراً، بسبب السيناريو ضعيف الحيلة، وقليل الخبرة، والمعتمد على المناظرة الحوارية أكثر من اعتماده على الصورة، التي توافرت فعلاً في شرم الشيخ، ولم يُحسن المخرج خالد مرعي، ومعه مدير التصوير أحمد يوسف استثمارها بالشكل الأمثل، في حين وظف عمرو إسماعيل الموسيقى لتبدو أقرب إلى موسيقى «توم وجيري»، للإيحاء بالتوتر وتباين وجهات النظر بين البطلين، وهي المعركة الذهنية التي أظهرت انسجاماً واضحاً وكبيراً بين أحمد حلمي ودنيا سمير غانم، وإن تفوقت «دنيا» في رد فعلها المكتوم، ومشاعرها الحبيسة، وأدائها المفعم بالأحاسيس الجياشة لأغنية «روحي للي حبتيه» فكانت سبباً في شهرتها وذيوعها في المواقع الإلكترونية بأكثر مما فعلت دنيا مسعود ومن قبلها الشيخ زين محمود!