فلسطين أم إسرائيل؟
بات الشارع العربي مهيأ أكثر من ذي قبل لتقبل دولة إسرائيل، فلا استنكار ولا غيره، فحتى الإسلاميون ومن على شاكلتهم خمد صوتهم تماماً، وكأن قضية الأقصى لا تعنيهم، وانشغلوا ببث سموم الطائفية والمذهبية بين المسلمين.
قال تعالى: "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ" سورة البقرة الآية 144.إسرائيل الدولة الصهيونية التي اغتصبت أرض فلسطين وانتهكت حرمات المسجد الأقصى وارتكبت أبشع المجازر بالشعب الفلسطيني، ومازالت تمارس كل أنواع العذاب من تشريد وقتل واضطهاد على الهوية، ومع ذلك هناك من يتودد إليها ويمد جسور التواصل، متناسياً حلم بني صهيون "بلادك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".أيام زمان، كان العرب يرفضون التعامل مع كل شيء له صلة بإسرائيل، فحتى الشركات التي كانت لها علاقات تجارية غير مباشرة معها كانت الدول العربية تقاطعها، حتى جاءت معاهدة "كامب ديفيد" المشؤومة التي أبرمها محمد أنور السادات لتفك معها كل شيء، وكأن نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس كان تمثيلية لامتصاص الغضب الشعبي الذي نزل إلى الشارع في تظاهرات نددت بهذا الاتفاق ورددت الأهازيج ومنها "سابلك إيه يا صبيه عبدالناصر لما مات؟! سابلي... من المنوفية اسمه أنور السادات" إلخ.
ذهب السادات وأعطى مفتاح المبادرات للعرب ليتسابقوا إلى الدخول في اتفاقات اقتصادية ودبلوماسية علناً ودون خجل من أشقائهم الفلسطينيين ودون حياء من المسجد الأقصى أولى القبلتين، ودون أن يقدم الكيان الصهيوني أي تنازلات تحفظ كرامتهم وتبرر فعلتهم. على العموم بات الشارع العربي مهيأ أكثر من ذي قبل لتقبل دولة إسرائيل، فلا استنكار ولا غيره، فحتى الإسلاميون ومن على شاكلتهم خمد صوتهم تماماً، وكأن قضية الأقصى لا تعنيهم، وانشغلوا ببث سموم الطائفية والمذهبية بين المسلمين.الشعب الفلسطيني في ظل هذا التخاذل العربي سيعاني الويلات من غطرسة هذا الكيان، وما يوم غزة ببعيد، فبعض الأبواق العربية بررت قصف غزة ولامت حماس على ذلك، وأنها هي التي بدأت الحرب وحفرت الأنفاق لتهدد الأمن القومي لإسرائيل. العالم كله فرح عندما أسقط الألمان الجدار الفاصل بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وصوّره انتصاراً للشعوب، بينما الجدار الذي تقيمه إسرائيل على الضفة، والحصار الذي تفرضه على قطاع غزة حق لحماية أمن المواطن الإسرائيلي، وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية هو الآخر مبرر لاستيعاب المهاجرين اليهود، وعلى الفلسطيني صاحب الأرض أن يشرب من البحر، فالقنوات العربية مشغولة جداً بنقل أخبار سورية والعراق واليمن.المؤلم في قضية التطبيع مع إسرائيل ليس موقف بعض الحكومات إنما سكوت النخب من مفكرين ورجال دين عن قضية مستحقة بهذا الحجم، بل إن بعضهم يبارك هذا التطبيع، وفي مفارقة عجيبة يراه مهماً للأمن العربي.في النهاية إن كان الجيش الإسرائيلي بعدته وعتاده لم يستطع إسقاط الحجارة من يد الطفل الفلسطيني فبكل تأكيد لن تضره خيانة أبناء عمومته، فالله نافذ أمره، وستعود القدس إلى أهلها. ودمتم سالمين.