ثروتك الفعلية تقل درجات عما تظنه!

نشر في 01-10-2016
آخر تحديث 01-10-2016 | 00:00
مع إدراك العديد من المواطنين أنهم غير قادرين على تمويل احتياجاتهم الضرورية، ستتعرض المراكز النقدية لهزة قوية ناجمة عن تدني الإنفاق الحكومي وارتفاع الضرائب، ما من شأنه تعزيز عدم الاستثمار.
 بلومبرغ • قد تكون الفكرة القائلة إن العالم يعج ويزخر بشتى أنواع عمليات التوفير – وهو، بالمناسبة أحد العوامل المتعددة التي تحرك وتدفع ما يعرف بنظرية الركود الاقتصادي المنتقل من جيل الى آخر، قد تكون مقنعة من الناحية الظاهرية ولكن المؤسف إلى حد كبير أنها ليست حقيقية كما يظن البعض.

وصحيح أن الجيل الذي أعقب الحرب العالمية الثانية يتمتع بقدر من الثراء يفوق أي جيل سبقه، ولكن حقيقة الأمر أن القيمة النهائية أو القصوى لأي استثمار تتوقف وتعتمد على قدرة المرء في ما يتعلق بتحويل تلك القيمة الاستثمارية الى مبالغ نقدية وأن يتمكن بالتالي من جعلها تدر قوة شرائية.

وفي حقيقة الأمر، على أي حال، فإن ثروة العالم المتراكمة – والتي تصل إلى حوالي 250 تريليون دولار بحسب تقديرات تقرير صدر عن كريدي سويس تحت عنوان "الثروة العالمية " – قد تكون غير قادرة على تحقيق قيمتها الاسمية على الورق، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الرقم المعلن يبالغ الى حد كبير جداً في تخمة أو حجم مبالغ التوفير المفترضة.

أشكال التوفير

معظم عمليات التوفير هذه تتم في صورتين هما: العقارات – وهي بشكل رئيسي العقارات السكنية – وحقائب أو محافظ التقاعد التي يتم استثمارها على شكل أسهم وسندات مالية.

وتزداد قيمة هاتين الطريقتين، كما أن المزيج المكون من النمو في عدد السكان والدخل الأعلى وزيادة القدرة على الحصول على الائتمان ومعدلات الفائدة المتدنية منذ فترة طويلة من الزمن – وفي البعض من الحالات – المخزون المحدود من المساكن – قد أفضى الى رفع أسعار المنازل وقد استطاع في وقت مبكر تحقيق نتائج جيدة في هذا المسار.

وفي غضون ذلك، فإن الزيادة التي تحققت في الأرباح والمبالغ التي يتم توزيعها – والتي كانت مدفوعة بالنمو الاقتصادي ومعدلات التضخم – قد أسهمت في تحسين ورفع قيمة الأسهم وهذا ما تسببت فيه السياسات النقدية المرنة التي صممت لمواجهة ما يعرف بالركود الكبير منذ سنة 2009.

ولكن الحقيقة المؤكدة هي أن الزيادة التي تتحقق في قيمة منزل المرء لا تعني بشكل آلي القدرة على ترجمتها الى قوة شرائية، والمسكن الجيد لا يفضي الى انتاج أي دخل مادي. وفي حقيقة الأمر، يتعين أن نشير الى أن تكلفة الصيانة وفواتير استهلاك الكهرباء والضرائب المفروضة على العقارات – التي ترتفع في أغلب الأحيان مع ارتفاع أسعار المنازل – تعني أن المنازل هي سلبية السمة من وجهة التدفق النقدي.

ومن أجل تحقيق مردود نقدي لمكاسب المرء يتعين عليه الاقتراض مقابل قيمة العقار – وتكلف تلك القروض نسبة من المال من أجل خدمتها كما أنها تعرض أصحاب المنازل الى تقلبات في قيمة الممتلكات، ومن الطبيعي أن المنزل يمكن أن يباع دائماً ولكن معظم الربح يحتمل أن يذهب الى تكلفة الصفقات وإعادة التموضع في موقع جديد – ناهيك عن تكلفة شراء منزل جديد والذي سوف يكون ارتفع سعره أيضاً.

أسعار العقارات العالية

ويمكن القول أن أسعار العقارات العالية تتوقف على وجود مشترين محتملين بصورة كافية يملكون القدرة على دفع قيمة الرهونات العقارية المتصاعدة والتي أسهمت في تحسين ورفع قيمة العقارات خلال نصف القرن الماضي، ولكن هذه الأرقام قد تكون تعرضت الى انكماش، ويرجع ذلك الى الركود في الدخل والهبوط في الوظائف المضمونة في الأجل الطويل والزيادة التي شهدتها وظائف وفرص عمل التعاقد والتي تسهم كلها في تقويض الشهية الى الاقتراض والقدرة على القيام به، ثم إن التغيرات الديمغرافية والحواجز الجديدة في وجه الهجرة سوف تقلص من عدد السكان بصورة عامة، كما أن اعتبارات مماثلة تنطبق على الاستثمار في ميادين العقار.

ومن جهة أخرى، فإن أسعار الأسهم تمثل المستقبل بدلاً من التدفقات الحالية في الأرباح، كما أن معدلات الفائدة المتدنية – التي سوف ترتفع في نهاية المطاف – قد زادت بصورة اصطناعية من القيمة المخفضة لهذه التدفقات النقدية، ويعكس معظم الأرباح والمكاسب مجرد مضاعف سعر السهم فقط وليس زيادة في الدخل والأرباح، ويعني النمو الأكثر بطئاً والتضخم الأدنى أن تدفقات الدخل في المستقبل قد تكون أكثر ضعفاً.

وتجدر الإشارة الى أنه في السنوات القليلة الماضية استفادت تقييمات الأسهم أيضاً من ارتفاع حصة الدخل الوطني الذي حصلت عليه الشركات والذي قد لا يكون مستداماً على أي حال، ثم إن اعادة شراء الأسهم الممولة بالديون وأنشطة الشركات التي تعزز وترفع التقييمات – بما في ذلك عمليات الاندماج – وقد تشهد تباطؤاً، وليس في وسع الشركات اعادة شراء أكثر من مستوى معين من الأسهم المعلقة اذا أرادت تلك الشركات الحفاظ على معدلاتها المدرجة من تبادل الأسهم وسيولة التداول، وقد تصطدم عمليات الاندماج في نهاية المطاف بالمخاوف الناجمة عن المنافسة.

أدوات الدخل المحدود

جدير بالذكر أن أدوات الدخل المحدود لا تطرح بالضرورة ملاذات آمنة – وقد هبطت نوعية الائتمان الحكومي وسندات الشركات، كما أن التغييرات التنظيمية تعني أن السندات التي تصدرها البنوك قد تشطب في حالات العوز المالي، ومع توجه المستثمرين نحو مزيد من المجازفة من أجل التعويض عن العوائد المتراجعة أصبحوا يواجهون عوائد غير مؤكدة بصورة متزايدة على رأس المال.

ويتمثل العامل المهم هنا في التدفق النقدي المتغير، والزيادة في الثروة، المدعومة بتوفيرات التقاعد قد أوجدت أسواقاً قوية للأصول المالية في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، أما الآن فإن العديد من المستثمرين المسنين سوف يضطرون الى السحب من تلك الوفورات من أجل تمويل فترة تقاعدهم.

وفي ضوء ضعف شبكات الأمان في شتى أنحاء العالم المتقدم فإن عمليات السحب هذه قد تكون كبيرة – وفي حقيقة الأمر قد تكون أكبر من التدفقات الجديدة، ومن شأن ذلك أن يخفض الأموال المتاحة من أجل الاستثمار وكذلك الطلب على العقارات والأسهم والسندات والأصول المختلفة الاخرى.

الحلقة المفرغة

ويمكن لهذه التطورات كلها أن تفضي الى حدوث حلقة مفرغة – وأسعار الأصول الأدنى سوف تقلص عوائد الضرائب فيما سوف تزيد في الوقت نفسه الطلب على الخدمات الأساسية مع ادراك العديد من المواطنين أنهم غير قادرين على تمويل احتياجاتهم الضرورية، وسوف تتعرض المراكز النقدية الى هزة قوية ناجمة عن تدني الانفاق الحكومي وارتفاع الضرائب. ومن شأن ذلك أن يسرع عملية عدم الاستثمار.

ثم إن عدم القدرة على تحويل الاستثمارات الى مبالغ نقدية عند التقييمات الراهنة يعني أن الأفراد قد يكونون أقل ثراء الى حد كبير وبقدر يفوق ما كانوا يظنون أو يفترضون، وقد يضطرون الى استهلاك كميات أقل في الوقت الراهن من أجل ضمان مبالغ نقدية كافية بغية تغطية احتياجات المستقبل، وهو ما سوف يفضي الى خفض النشاط الاقتصادي. وإضافة الى ذلك فإن المستويات الأدنى من الثروة سوف تحد أيضاً من خيارات السياسة بالنسبة الى الحكومات والبنوك المركزية التي سوف تعول على تعبئة الوفورات من أجل تحسين النمو وادارة مستويات الديون العالية.

قد تكون هذه المفارقة النهائية – وسواء كانت الوفورات الحقيقية أعلى أو أدنى مما يعتقد في الوقت الراهن فإن النتيجة قد تكون هي ذاتها: الاقتصاد العالمي يواجه فترة طويلة من الركود.

التغيرات الديمغرافية والحواجز الجديدة في وجه الهجرة ستقلص عدد السكان بصورة عامة

ركود الدخل وهبوط عدد الوظائف المضمونة في الأجل الطويل وزيادة فرص عمل التعاقد تسهم في تقويض شهية الاقتراض

سواء كانت الوفورات الحقيقية أعلى أو أدنى مما يعتقد حاليا فإن النتيجة قد تفضي إلى مواجهة الاقتصاد العالمي فترة طويلة من الركود

أسعار الأصول الأدنى ستقلص عوائد الضرائب بينما ستزيد الطلب على الخدمات الأساسية
back to top