قال تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي في شهر أغسطس الماضي إن على الحكومة اليابانية اتخاذ إجراءات تهدف الى دفع الشركات الى زيادة أجور العمال في ذلك البلد، وذلك بعد تحذير من اوليفر بلانشارد، الاقتصادي الكبير السابق في صندوق النقد الدولي وآدم بوسن وهو اقتصادي آخر في هذا الشأن، حيث جادلا في أن على اليابان أن تحقق في العام المقبل زيادة في الأجور الوطنية والمساعدات الاخرى يتراوح بين 5 و10 في المئة.

يذكر أن سياسة الأجور كانت منذ زمن طويل موضع كراهية من جانب خبراء الاقتصاد، ولكن العودة اليها تظهر مدى قلق مراقبي الوضع في اليابان ازاء ادارة الاقتصاد هناك. وقد أخفق التيسير المالي والنقدي في تحفيز الاستهلاك كما أن حوالي 61 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي تأتي من الاستهلاك الخاص، ولكن المواطن الياباني يحجم عن الانفاق. وهذا لا يعني أنه يحسب أن الانكماش في الأسعار سوف يعني أن الأشياء سوف تصبح أرخص في المستقبل، بل لأن ذلك المواطن يتوقع أن يتعرض لمزيد من الضغوط المالية التي تؤثر على دخله الذي لا يشهد تحسناً.

Ad

ويقول صندوق النقد الدولي إن الأجور ارتفعت بنسبة 0.3 في المئة فقط منذ عام 1995، وفي سنة 2015 زادت شركة تويوتا لصنع السيارات أجور موظفيها بنسبة 1.1 في المئة فقط، وبحسب صندوق النقد فإن متوسط زيادة الأجور في 219 شركة في كيدانرن وهي جمعية مكونة من كبار المصنعين كان 0.4 في المئة، وعلى الرغم من ذلك فإن اليابان تتربع على كومة كبيرة من النقد حيث إن لديها حوالي 377 تريليون ين (3.7 تريليونات دولار).

وقد حاول رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي راهن على سمعته في التعافي الاقتصادي في بلاده زيادة الأجور ورفع الحد الأدنى من الأجور التي سوف ترتفع ثانية في الشهر المقبل.

زيادات متواضعة

ولكن هذه الزيادات تظل متواضعة وتؤثر على شريحة صغيرة من قوة العمل، وفي جولة الأجور السنوية في سنة 2016 عندما انضم مراقبو الحكومة الى محادثات تهدف الى القسم الدائم والنقابي من قوة العمل طلب رئيس الوزراء الياباني من جمعية كيدانرن العمل على زيادة الأجور – وسوف يفعل ذلك ثانية في الجولة المقبلة.

وقد هبطت الأجور بصورة بطيئة بقدر أكبر منذ سنة 2014 وارتفعت في هذه السنة ولكن ليس بسرعة كافية. ويقول روبرت فيلدمان من بنك مورغان ستانلي إن الضرورة تقضي بأن ترتفع الأجور بنسبة 4 في المئة وليس 2 في المئة كما هو الحال الآن من أجل بلوغ المعدل المستهدف للتضخم من قبل الحكومة عند 2 في المئة. ويجادل تاكاشي سودا من رينغو وهو أكبر اتحاد عمالي في اليابان في أن الأجور يجب أن ترتفع بوتيرة أسرع في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم حيث تكون الأجور أقل وترتفع بقدر أكثر بطئاً من الشركات الكبرى، ويضيف أن تحقيق الهدف المتمثل في التشجيع على مزيد من الانفاق يقتضي زيادة ذوي الدخل الأدنى وليس أصحاب الدخل الأعلى.

فشل التوقعات

ولكن أعضاء جمعية كيدانرن الذين لا يواجهون نقصاً في قوة العمل ويكافحون لمواجهة تكلفة الين الأقوى لا يشاركون في هذه اللعبة على الرغم من أنهم يتربعون على تلال من المبالغ النقدية، ويشكل هذا مصدر إزعاج بالنسبة الى جماعة رئيس الوزراء الياباني التي ظنت أنها توصلت الى اتفاق يقضي بتحقيق زيادات أكبر في الأجور في مقابل خفض في ضرائب المؤسسات.

وعلى أي حال فإنه من غير الواضح على الاطلاق ما الذي يستطيع السيد آبي عمله في هذا الصدد، وعلى سبيل المثال فانه من غير المحتمل أن يقدم على إغضاب القطاع الخاص (والاقتصاديين التقليديين) عبر فرض أجور أعلى، وبدلاً من ذلك، يقال إن الحكومة تفكر في فرض ضريبة على توفير المؤسسات. ويقول تاكيشي نينامي وهو رئيس شركة المرطبات سنتوري والذي يعمل في مجلس الحكومة المعني بإصلاح شؤون العمل إنه يعتقد "أن ذلك هو الخطر الوحيد ولكنه جيد على أي حال".

دفعات الضمان الاجتماعي

ويقول التنفيذيون إن على الحكومة النظر الى سلوكها، في وقت تحسب جمعية كيدانرن أن ثلث زيادة الأجور يذهب الى دفعات الضمان الاجتماعي التي من المقرر أن ترتفع في هذا الشهر من جديد، وفي دولة تعج بالمتقدمين في السن فإن التكلفة العالية لدفعات التقاعد والرعاية الطبية تعني أن من غير المحتمل أن تهبط هذه الحصة.

ولكن في ضوء السكان المعمرين في اليابان وانكماش سوق العمل فيها يبدو أنه من غير المستغرب تحقيق زيادة في الأجور، كما أن أحد الأسباب وراء ذلك هو عجز بعض الصناعات التي يتعين عليها القيام بهذه الخطوة عن تحقيقها، وعلى سبيل المثال فإن دور الحضانة العامة تعاني نقصاً حاداً في عدد الموظفين، ولكنها غير قادرة على تحقيق زيادة في الأجور بسبب قوانين الحكومة، ولكن وزارة الصحة والعمل والرعاية تقول إن الزيادة الشهرية في الأجور تفضي الى تأثير أكبر على الانفاق مما تطرحه المكافآت وأجور العمل الإضافي.

تناقضات الأجر

والأكثر من ذلك، أن تناقضات الأجر بالنسبة الى العمل نفسه هي أكبر من أن تبرر عبر الفجوة في المهارة. ويحسب بنك مورغان ستانلي- مستخدماً الأرقام الحكومية – أن معدل تكلفة موظفي الحكومة يصل الى 8.8 ملايين ين في السنة مقارنة بـ7.1 ملايين للعمال في شركات كبرى و4.2 ملايين ين في الشركات المتوسطة الحجم. وتفضي هذه التباينات في ميادين العمل الى تشويه صورة السوق، ويرغب العمال العاديون بقدر أكبر في مبادلة الأجر الأعلى بضمان الاستمرارية والاستقرار في الخدمة، كما أن معظم الشركات اليابانية تكافئ موظفيها على خدمتهم الطويلة لا على مقدرتهم وكفاءتهم، ويصف السيد نينامي ممارسات الشركات اليابانية بـ"أنظمة الديناصورات".

أفضت معالجة مثل هذه القضايا إلى احباط الحكومات اليابانية على مدى عقود طويلة من الزمن، ويعتقد البعض أن استخدام الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل – بغية التعويض عن نقص قوة العمل وضعف الإنتاجية – سيؤدي في الواقع الى خفض الأجور في العديد من الصناعات.