حملت زيارة الزعيم الكردي مسعود بارزاني لبغداد مجموعة مفارقات دالة، لكنها كانت مصممة بعناية، كما بدا، إلى درجة تسمح للمراقبين باعتبارها إعلاناً عن مرحلة سياسية جديدة قد تمتد إلى الانتخابات العامة في 2018. وقبل وصول رئيس إقليم كردستان إلى بغداد بعد انقطاع استمر ثلاث سنوات، حرص الجناح السياسي المتشدد والمقرب من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، على إطلاق حملة إعلامية مضادة له، فروّج أن بغداد ستتعامل معه كزعيم حزب؛ لأنه فاقد للشرعية كرئيس للإقليم الكردستاني، طبقاً للجدل القانوني بين الأحزاب الكردية. لكن بارزاني فاجأ خصومه وجاء على رأس وفد شامل يضم كل أحزاب كردستان، بنحو جعل المالكي يغادر العاصمة، كما أوضحت مصادر صحافية، تجنباً للقاء غريمه التاريخي.
وحتى قبل أسبوع كان يتردد أن بارزاني سيغضب ويقاطع بغداد بنحو حاسم، بعد سحب الثقة من وزيره العتيد هوشيار زيباري أخيراً، لكن العكس حصل طبقاً لتوقعات معاكسة، مفادها أن زيباري تعرض لضربة من تيار المالكي المقرب من إيران وحلفائه، وأن الرد المناسب يجب أن يكون بدعم رئيس حكومة العراق حيدر العبادي و«معتدلي الشيعة» مثل عمار الحكيم وحلفاء النجف، وهذا ما يمثل جوهر زيارة بارزاني حسب قرائن عدة أثارت اهتمام المراقبين.وخلال لقاء بارزاني بالعبادي جرى «تبادل متقن للعبارات المطلوبة» حسب ما تفرضه الحاجة السياسية لمواجهة الخصوم الداخليين، فللرد على اتهامات المالكي بشأن نزعة الانفصال، كانت أول كلمات بارزاني قوله: «إن بغداد عمقنا الاستراتيجي الآن وفي المستقبل»، ولم يخيب العبادي رد ضيفه فبادله التحية قائلاً: «نحن في الحكومة نؤيد اللامركزية». ولعل التعبيرين لا يلبيان طموحاً كافياً لدى أحد، لكن من الواضح أنهما استخدما لتبريد كل الأجواء التي حملت سوء الفهم غير المسبوق بين أربيل وبغداد، منذ سقوط الموصل بيد «داعش».ثم اختصر بارزاني الأمر بعبارة أوضح، حين قال في مؤتمر صحافي مشترك: «جئنا لدعم حكومة العبادي»! ولم يكتف بذلك بل دعم بغداد بعبارة متصالحة أكثر دلالة: «إن النفط والغاز ملك لكل العراقيين»! في إشارة إلى الخلاف العربي الكردي حول إدارة النفط، وتعدد تفسيرات النصوص الدستورية بهذا الشأن.وحسب المصادر، التي رافقت بارزاني في جولته بين مكتب العبادي ومقر عمار الحكيم رئيس الكتلة الشيعية، والهيئة السياسية للتيار الصدري وغيرها، فإن العبارات المستخدمة عن قصد تحمل رسالة جديدة يمكن اعتبارها إعلاناً عن تأسيس محور سياسي واسع هو أقرب للولايات المتحدة وأبعد عن إيران، ليجعل أربيل والنجف ضمن مسار تنسيق واحد يمكن أن ينهي فوضى سحب الثقة من وزراء العبادي، ويتمم الاستعدادات لمعركة الموصل وما بعدها، ويمنع المالكي من العودة إلى الحياة السياسية، كما بدا بوضوح خلال الأشهر الأخيرة.وينهي نائب شيعي تعليقه على يوم سياسي حافل في بغداد، بالقول إن التفاؤل الشديد في علاقة أربيل وبغداد، ليس في محله أيضاً «لأن كل الأمور تتعقد بنحو متسارع»، باستثناء عامل واحد يتعلق بتحركات رئيس الوزراء السابق و«متطلبات» الرد عليها، «فالمالكي فيما مضى كان يمثل عبئاً، أما اليوم فقد تحول إلى خطر حقيقي لابد من تحييده، ولن يتحقق ذلك إلا إذا عادت النجف تعمل مع أربيل».
أخبار الأولى
المالكي يوحد خصومه من أربيل إلى النجف
01-10-2016