كلينتون تطمئن عالماً خائفاً

نشر في 02-10-2016
آخر تحديث 02-10-2016 | 00:05
 واشنطن بوست لا شك أن مشاهدة المناظرة الرئاسية في بلد أفلسته الأفكار الاقتصادية الشعبوية قدّمت لنا فيضاً من المعلومات: تُظهر تجربة الأرجنتين أن البلدان الجيدة قد تقدِم على قرارات سياسية بالغة السوء تدوم كلفتها طويلاً.

بالإضافة إلى ذلك، شكّلت زيارة وزير الخزانة جاك ليو مذكراً بمدى متابعة سائر العالم حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية هذه السنة، فعندما أعلن دونالد ترامب أن "الأمركة لا العولمة ستكون شعارنا الجديد"، تساءل الناس عما إذا كان النظام الذي تقوده الولايات المتحدة ينهار.

إلى أين تسير الولايات المتحدة؟ شكّل هذا محور نصف الأسئلة تقريبا التي طُرحت في المنتدى الذي شارك فيه ليو، وضم طلاباً من جامعة توركواتو دي تيلا في الأرجنتين، فحرص هذا الوزير على عدم تقديم جواب سياسي قبل ساعات من المناظرة، لكنه أخبر أحد سائليه: "ألاحظ الكثير من التوتر حيال المنحى الذي ستسلكه السياسة الأميركية. تحدد هذه السياسة مدى الثقة بأن العالم سيحافظ على استقراره".

حظيت هيلاري كلينتون بلحظات جيدة عدة، ولكن إن كنت تشاهد هذه المناظرة من خارج الولايات المتحدة فلا شك أن ما لفت انتباهك حقاً كان تأكيدها عند نهاية المناظرة أنها ستستمر في السياسة الخارجية الأميركية الحالية إذا انتخبت.

يتابع الناس حول العالم الحملات الرئاسية الأميركية عن كثب، محاولين استنتاج ما ننوي القيام به، وهل يمكنهم الاعتماد علينا؟ وهل نواصل قيادة العالم بقوة بما يتوافق مع قيمنا؟

تشكّل الأرجنتين نموذجاً يُظهر بوضوح قدرة السياسات الشعبوية على تفكيك دولة والوقت الطويل الذي تستغرقه إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، فلأكثر من نصف قرن حصلت الأرجنتين على سلسلة من الوعود اليسارية من قادة مثل الرئيس خوان بيرون وزوجته المميزة إيفا وخلفيهما السياسيين نيستور كيرشنر وكريستينا فرنانديز دي كيرشنر، اللذين تبوأ كلاهما سدة الرئاسة. خاطب هؤلاء الحكام الطبقة العاملة بحماسة، مع أن سلوكهم ساهم في زيادة النخبة الفاسدة ثراء.

قادت السياسة الاقتصادية الشعبوية (وإن حظيت بترحيب شعبي) الأرجنتين إلى التضخم المفرط لتدفعها عام 2001 إلى التخلف عن سداد مستحقات ديونها، أما طريق العودة فاستغرق 14 سنة. وأخيراً انتخبت الأرجنتين في شهر نوفمبر الماضي رجل أعمال يمينياً وسطياً يُدعى ماوريسيو ماكري ويشكّل نقيضاً لترامب. تعهد الرئيس الجديد بالحد من الإعانات الاجتماعية، والتفاوض مع الدائنين للتوصل إلى اتفاق معهم، وإعادة الأرجنتين المنعزلة إلى الاقتصاد العالمي الذي انفصلت عنه على نحو كارثي عام 2001، وكان ليو يعمل بشكل لصيق مع ماكري وفريقه منذ شهر يناير بغية إعادة وصل الأرجنتين بالنظام المالي العالمي.

لكن ماكري يواجه الكثير من العقبات، فما زال الغضب الشعبي من النخب، الذي تؤججه الأحزاب اليسارية والاتحادات التجارية الواسعة النفوذ، قوياً جداً. على سبيل المثال دعا الاتحاد التجاري الأكبر في البلد لإضراب عام بغية الاحتجاج على التخفيضات التي سيفرضها ماكري على الإعانات الاجتماعية، فضلاً عن عدد من إصلاحاته المؤلمة الأخرى.

يُعتبر الترويج للخطوات الاقتصادية الجيدة أكثر صعوبة، مقارنة بالسيئة منها، كما تبرهن الحملة الانتخابية الأميركية. وفي الأرجنتين تراجعت شعبية ماكري من 63% في شهر ديسمبر إلى 40%، لكن التضخم بدأ بالتراجع أيضاً بنحو 1.5% شهرياً، بعد أن فاق معدله السنوي 40%، وفق مسؤولي الحكومة. ويأمل ماكري تحقيق نمو اقتصادي متواضع السنة المقبلة يبلغ نحو 3.5%، مستنداً إلى استعادة الأرجنتين أخيراً قدرتها على الاقتراض من الأسواق المالية العالمية.

ذكّر ليو مَن شاركوا في منتدى الأرجنتين أن من المستحيل الانفصال عن العالم في اقتصاد معولم، ونأمل أن يفهم الناخبون الأميركيون هذا الدرس قبل يوم الانتخابات، وإلا ستتعلمه الولايات المتحدة بالطريقة الصعبة، تماماً على غرار الأرجنتين.

* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius

back to top