في عام 2000 اجتمع خمسة شبان من مدينة كوبنهاغن – الدنمارك، للبحث عن فعل ما تجاه طعن زميل مشترك لهم، واتفقوا على إنشاء منظمة "أوقفوا العنف"، لنشر هذا الوعي بين أقرانهم.

قام الشباب بإحياء حفل موسيقي لدعم فكرتهم في نبذ العنف، وفكروا في التحاور مع الحضور حول ذلك. ومن هنا نشأت فكرة المكتبة البشرية.

Ad

في عام 2010 طبقت الفكرة بمكتبة مدينة تورنتو الكندية، وبدت الفكرة صعبة التحقيق. يتحول الشخص المتحدث إلى نسخة من كتاب حيّ، فتتم استعارته من قبل القارئ المهتم لمدة نصف ساعة، ويستطيع القارئ أن يناقش الإنسان/الكتاب عن أي مسألة تشكل عليه، ويستطيع الاثنان تبادل معارف، فيفيد أحدهما الآخر.

تتمثل الفكرة ببساطة في أن كل إنسان هو كتاب، بشكل أو بآخر، وهي تجربة حياتية مغايرة ومثيرة للآخر. وليس بإمكان الجميع القدرة على كتابة هذه التجربة، وإن كتبت، فقد لا تتوافر للقارئ فرصة قراءتها والاطلاع عليها أو مناقشتها والاستفسار حولها.

تقوم المكتبة باختيار يوم محدد، وتطلب من خلاله متطوعين في تخصصات مختلفة، وتجارب حياتية متنوعة، أو أصحاب أفكار وتوجهات سياسية واجتماعية، ويتم الإعلان عن أسمائهم، ليتمكن القارئ الراغب في الاطلاع على تجاربهم بحجزهم، ليجالس الكتاب البشري وجها لوجه دون تدخل الآخرين في نقاشهما.

قد يخطر على ذهن البعض للوهلة الأولى أن المكتبة البشرية هي مكتبة متخصصة، ويحتاج الكتاب لقارئ يحمل أفكارا قريبة منه، ويستطيع استيعابه بحكم التخصص، لكن تلك ليست الحال في المكتبة البشرية، فربما تلتقي كتابا بشريا لا يجيد القراءة والكتابة، لكنه يحمل تجربة أنت بحاجة للاطلاع عليها من شخص حقيقي عايشها.

فربما تلتقي جنديا شارك في حرب كتبت جميع وثائقها بطريقة مغايرة للواقع، لتتعرف على حقيقة وحشيتها، والتي لم يتم تصويرها أو نقلها لك.

الفائدة الكبرى في هذه القراءات البشرية المباشرة، هي تسجيل وقائع حقيقية وصادقة في جميع المجالات، التي تبدو للبعض مسكوتا عنها، أو لم يتم نقلها أصلا. فتجارب المهاجرين من ضحايا الحروب والصراعات السياسية لا يتم توثيقها مباشرة، إنما بعد زمن بعيد عن زمن الأحداث، وهو ما يفقدها المصداقية، خصوصا حين تكتب من وجهة نظر أحادية. وحاولت الإذاعة الكندية الاستفادة من تلك التجارب البشرية، فقامت بتسجيل مجموعة ضخمة من تلك القراءات البشرية وتوثيقها، للاطلاع عليها لمن يرغب.

كانت الملاحظة هي تنوع اختيارات القراء للكتب البشرية، فأغلب الشباب كانوا يختارون أصحاب التجارب الشاذة، كالسجناء ومدمني المخدرات والمنتسبين لعصابات الجريمة المنظمة، وربما يعود ذلك، لتوجيه مدرسيهم لهم، بأن تكون بحوثهم حول أخطار هذه الفئات.

في المقابل، كانت هذه الكتب البشرية تتحدث بكل حرية عن فشل حياتها السابقة، والصعوبات التي يواجهونها في العودة للحياة الطبيعية. تلك اللقاءات المباشرة أكثر تأثيرا وصدقا من قراءات يكتبها البعض نيابة عن هؤلاء الأشخاص الذين يعجزون عن التعبير كتابة عن أنفسهم. أما النساء وكبار السن، فكانوا أكثر اهتماما بالرحالة والمكتشفين وأصحاب النزعات الإنسانية.

تجربة المكتبة البشرية تنتشر حاليا في أكثر من ثلاثين دولة، وهي تجربة لم تعرف طريقها لعالمنا العربي، وفق علمي، لكنها تجربة مثيرة تدعو للتواصل المباشر مع الآخر ومعرفته ومناقشة أفكاره.