{ساحرة الجنوب} ليس أول عمل عانى تدخلات فتاوى التحريم في مصر، سواء لما يتعلق بمحتواه أو مصادرته عموماً. تتحدّث الناقدة ماجدة خيرالله عن هذا الأمر فتبدي رفضها تدخّل رجال الدين في الفن، مؤكدة أن {من المحزن منع مسلسل واتهامه بالترويج للدجل لمجرد أن إحدى شخصياته تعمل أو تدعي علمها بالسحر}، مشيرة إلى أننا {شاهدنا سابقاً أفلام {الفانوس السحري} و{عفريتة هانم} وقصص علاء الدين ولص بغداد، وغيرها من أفلام الخيال العلمي التي يتصل أبطالها بالجان والعالم الآخر. حتى قصص التراث لم تخل من الخيال، ولم نسمع آنذاك أي كلام عن تحريم أو منع. أما ما يحدث الآن فأمر غريب ومرفوض}.
بدوره يرى الناقد طارق الشناوي أن توغل فتاوى التحريم والمنع في ما يتعلق بالفن والثقافة يضر الإبداع ويضع له حداً وسقفاً، فيُصبح تجاوزه أمراً صعباً، إضافة إلى أنه يُهين الدين الذي يجعله عُرضة للنقد والسخرية بسبب فتوى.ويضيف الشناوي أن المرجعية الدينية للفن والثقافة أو حتى العلم دليل تخلف وتأخر من الدولة يضاف إليه تراجعها عن الإنتاج وعدم اهتمامها بالفن.في سياق متصل، يقول الناقد نادر عدلي إن المجتمع العربي يعيش في غيبوبة تامة بسبب سيطرة الهاجس الديني على مجالات الحياة كافة، خصوصاً الفن والثقافة، ما يتسبب في قتل الخيال والإبداع، مضيفاً أن الفتاوى الدينية تواجه الفن منذ سنوات طويلة، ويكون الهدف غالباً بعيداً عن الدين أو الفن، إذ تستخدم السلطة الحاكمة رجال الدين في إصدار فتاوى التحريم والمنع بهدف إشغال الناس عن أزمات ومشاكل أقوى.
اختلال المعايير
تعتبر الفنانة وفاء صادق، وهي إحدى بطلات مسلسل {ساحرة الجنوب}، أن {فتوى التحريم أمر يدعو إلى الحزن على ما وصلنا إليه من اختلال للمعايير، فلا أحد يملك توكيلاً من الله ليقرر الحلال أو الحرام من وجهة نظره في الفن والثقافة التي يجهلها ولا علاقة له بها}.وتضيف أن الفارق الزمني بين عرض الجزء الأول والجزء الثاني أربعة أشهر، وبين الجزء الثاني والشروع في الجزء الثالث فترة أكبر، فأين كانت الفتوى هذه المدة؟ ولماذا انتظار البدء في الجزء الثالث لإصدارها؟ صحيح أن المسلسل يتحدث عن السحر والدجل، ولكننا نحذر من هذا العالم وممن يروجون له ونؤكد على العلم، ونطالب بإعمال العقل وعدم الانسياق وراء هذه الخُرافات}.تتابع: {ينقل الفن صورة من الواقع بكل ما فيه من سلبيات وقضايا، ويبدو دوره في التوعية واضحاً. فهل المطلوب تقديم أعمال بلا سلبيات وكأننا نعيش في عالم أفلاطوني؟}.صادق تطلب من شركات الإنتاج المصرية مقاومة هذه السيطرة والتحكم في الفن المصري، موضحة أنه لا بد للدولة من العودة إلى الإنتاج. ويرى المخرج محمد حمدي أننا نعيش في دولة ذات مرجعية دينية، وكثيراً ما تتضارب الآراء بين المسموح والممنوع، فالسلطة الدينية التي سمحت بعرض {آلام المسيح} هي نفسها التي رفضت عرض {نوح}، والفيلمان تجسيد لنبي من الأنبياء.يتابع: {وقف تصوير مسلسل بسبب فتوى دينية ليس أول حالة ولن تكون الأخيرة، رغم أن لهذا التجاوز تأثيراً سلبياً على الحياة الثقافية والفن في المجتمع، ومع المنع والتقييد وربما التكفير، يزداد العنف في المجتمع الذي غاب عنه الوعي والثقافة وساده الظلام وحجب الخيال والإبداع.ويختم بأن تراجع الدولة عن الإنتاج، وغياب كيان إنتاجي يواجه احتكار القنوات، سيؤديان إلى انهيار صناعة الدراما.