مغامرة بوتين العالية المخاطر في سورية تثمر
يشكّل تدخل موسكو في سورية إنجازاً في مجال العلاقات العامة داخل روسيا وخارجها، ولن نشهد أي تبدّل إلى أن يتحاور قادة الغرب مع بوتين بشأن أوكرانيا والعقوبات لا بشأن سورية.
في قصيدة شهيرة للكاتب يفغيني يفتوشنكو، تسأل نملة جندياً روسياً قُتل في أفغانستان كانت تسير على وجهه: "ماذا يمكنك أن تقدّم لوطني الفقير إن كانت المتاجر في بلدك خالية من الطعام؟".يجسّد هذا المشهد أبرز مخاوف روسيا المعاصرة: التورط في صراع آخر غير مرغوب فيه بعيداً عن الوطن، ومن الواضح أن هذا الخوف يستند إلى ما تعلمته روسيا خلال حربها الكارثية التي دامت عشر سنوات في أفغانستان.قبل سنوات عدة من خوض القوات السوفياتية هذا الصراع عام 1979، اعتاد المواطنون ترديد أنهم يتقبلون قسوة الحياة اليومية في الاتحاد السوفياتي "طالما أنهم لا يواجهون الحرب". شكّل هذا عقداً اجتماعياً من نوع ما، إلا أن ليونيد بريجنيف خرقه بإرساله الجنود إلى كابول.
لقي أكثر من 15 ألف جندي حتفهم بين عامَي 1979 و1989، ونظراً إلى تطورات هذه الحقبة التاريخية، يبدو قرار بوتين شن عملية عسكرية في سورية مفاجأة كبيرة.في عام 2013 قرر بوتين مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد بسعيه إلى التوصل إلى تسوية مع الغرب،ولكن بعد مرور ثلاث سنوات، ما عاد الكرملين يؤدي دور الوسيط، بل صار يقاتل إلى جانب الحكومة في دمشق ويشارك بفاعلية في المواجهة بين النظام السوري والثوار المسلحين. في مرحلة ما، كان مؤيدو بوتين في روسيا يناقشون بجدية إمكان منحه جائزة نوبل للسلام نظراً إلى جهوده في سورية، لكن روسيا اتُّهمت أخيراً بارتكابها جرائم حرب بسبب استهدافها المفترض لموكب مساعدات تابع للأمم المتحدة كان ينقل المؤن إلى منطقة يسيطر عليها الثوار في حلب.إذاً، ماذا يفسّر هذا التبدّل الجذري في السياسة الخارجية؟ كلمة واحدة: أوكرانيا.فبينما كان الكرملين يستعد لضم القرم في ربيع عام 2014، اعتقد بوتين واهماً أن الغرب عموماً وأوروبا خصوصاً سيسمحان له بتحقيق رغباته التوسعية وسيقبلان بصمت ضمه أراضي أوكرانية تسكنها مجموعات موالية لروسيا.ولكن عندما اتضح خطأ اعتقاده هذا، كانت الحرب الشاملة تستعر في منطقتَين أوكرانيتَين، وكانت طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية قد أُسقطت فوق أوكرانيا، وكانت مجموعة الدول الثماني قد استبعدت روسيا، وكانت أسماء أصدقاء بوتين الأعزاء قد أُدرجت في لوائح العقوبات الدولية، وكانت روسيا قد عُزلت دولياً للمرة الأولى منذ حرب أفغانستان.إلا أن روسيا تشكّل راهناً لاعباً أساسياً في سورية، ونتيجة لذلك أُرغم الغرب مرة أخرى على التفاوض مع موسكو، لكن اعتداءات الجيش الروسي ما عادت تستهدف معاقل "داعش" فحسب، بل تطول أيضاً قواعد المعارضة الموالية للغرب. هدف هذه الخطوة إطالة الحرب، مما يضمن بالتالي انضمام روسيا إلى طاولة المفاوضات ويضفي طابعاً شرعياً على سياسة الكرملين الخارجية، لذلك من المفارقة بالتأكيد أن يحمل مقر القوات الروسية في سورية رسمياً الاسم "مركز المصالحة".يعتقد الروس بحق أن بوتين يقاتل "داعش"، متفادياً بالتالي الاعتداءات الإرهابية في روسيا. إذاً يشكّل تدخل موسكو في سورية إنجازاً في مجال العلاقات العامة داخل روسيا وخارجها، ولن نشهد أي تبدّل إلى أن يتحاور قادة الغرب مع بوتين بشأن أوكرانيا والعقوبات لا بشأن سورية.* أوليغ كاشين