في بداية تنطق بالجمال، ولغة سينمائية تتّسم بالجدة والفرادة، جاءت اللقطات الأولى لفيلم «حملة فريزر»، قصة الثنائي هشام ماجد وشيكو التي كتب لها السيناريو والحوار ولاء شريف، لتُظهر البراعة الفائقة للمخرج سامح عبد العزيز في توظيف فن «الغرافيك» وتطويعه لينسجم وطزاجة الفكرة الافتراضية.

تقول الفكرة إن مصر تعرضت لمؤامرة مناخية بدّلت الطقس الذي اشتهرت به (حار جاف صيفاً ودافئ ممطر شتاء) لتصبح فريسة للصقيع والعواصف الثلجية، ما دعا جهازاً استخباراتياً رفيعاً إلى وضع خطة للاستيلاء على «الكبسولة»، التي كانت سبباً في الانقلاب المناخي، والسفر إلى إيطاليا لاستعادتها من المافيا التي تسيطر عليها، وتؤتمر بتعليمات العميلة الخطيرة «ماريان» (دارين حداد) صاحبة الشخصية الإجرامية القوية!

Ad

الطزاجة التي نوهنا إليها تتجلى بقوة في الجزء الخاص بالتغير المناخي، حيث العاصفة الثلجية التي تضرب العاصمة المصرية، والنيل الذي تجمدت مياهه الجارية، وانقلبت صفحته الرائقة إلى زخات من الجليد، فيما اختفت القطط والكلاب من الشوارع لتحلّ مكانها البطاريق، وراح الباعة الجائلون يروجون في إشارات المرور للعقاقير المضادة للبرد، والمظلات التي تقي من المطر والثلج، بينما أجبر زبائن المقاهي على احتساء «الشاي الكونو». وهي صورة مبهرة صنعها ياسر النجار بمؤثراته البصرية الأخاذة، ورامي دراج بديكوراته الموحية، في حين توارت الطزاجة مع استلهام أصحاب الفيلم للواقعة الشهيرة، التي جرت أحداثها في نهاية الستينيات، مع إيفاد جهاز الاستخبارات المصري بعض رجاله إلى دولة إفريقية معروفة، ضمن بعثة قيل إنها ستصوِّر فيلماً سينمائياً، وهناك نجحوا في تفجير حفار بترول أثناء رحلته من كندا إلى إسرائيل، التي ابتاعته لاستخدامه في نهب الثروات البترولية المصرية في سيناء المحتلة آنذاك، وهي العملية التي زعم أصحاب «حملة فريزر» أنها من بنات أفكارهم، وفيها تكمن نقطة ضعف الفيلم!

اللافت أن الطرافة التي اتسم بها الجزء الخاص باختيار فريق استخباراتي قليل الكلفة يضمّ القائد «صبحي» (بيومي فؤاد) ومساعده «سراج الدين» (هشام ماجد)، بكل ما بينهما من ماض متخم بالمشاكل، بالإضافة إلى أشخاص «تحت مستوى الشبهات»، مثل الممثل المغمور «مديح البلبوصي» (شيكو) وفتاة الليل «تباهي» (نسرين أمين)، وتوظيف فن «البارودي» للإسقاط الساخر على دراما الجاسوسية الشهيرة، مثل: «رأفت الهجان»، «إعدام ميت»، «مهمة في تل أبيب» و{الكافير»، والنقد اللاذع لبعض ما يجري في الوسط الفني، انقلبت إلى سماجة مع سفر الفريق إلى إيطاليا، التي استبدلت الشركة المنتجة دولة كرواتيا بها، فالخيال نضب، والتدفق توقف (مونتاج عمرو عاصم)، والسلاسة صارت غلظة، واختفى الحوار ليسود الارتجال. كذلك لم يكن ظهور الشاب «فورمايكا» (أحمد فتحي) البورسعيدي الذي يعيش في إيطاليا، وانضم إلى أسرة الفيلم هناك، سوى استكمال للعبث والعشوائية وقلة الحيلة الدرامية، وسيطرة الواقعية على حساب «الفانتازيا»، فالمساحات اتسعت، واضطر كل ممثل إلى ملء الفراغ بالشكل الذي يروق له، وبات من الواضح أن عجلة الزمن، والرغبة في إنهاء التصوير (كاميرا أحمد كردوسي)، لم تدع مجالاً لإبداع من أي نوع!

«حملة فريزر» يُعد العنوان الأنسب، والأكثر ملاءمة للأحداث، تماماً مثل عنوان «لف ودوران»، فيما حملت الأفلام الأربعة الأخرى التي طُرحت في موسم عيد الأضحى المبارك، عناوين لا علاقة لها بموضوعاتها. لكن لا ينبغي الربط بينه وبين الحملة الإنكليزية، التي قادها «فريزر» لإخضاع الدولة العثمانية، بل يستوجب على المتلقي أن يأخذ بعين الاعتبار تشخيص الصقيع والبرودة التي تقود إلى التجميد «الفريزر». وهي حال مصر كما رصدها الفيلم، في مشاهده الاستهلالية، بينما تتسق كلمة «حملة» والانطباع العابر بأن ثمة «مداهمة»، كالتي قادها الفريق الاستخباراتي في إيطاليا. لكن كان للنفس القصير أثره السلبي على التجربة، التي لم تخل من ملل، خصوصاً في المشاهد التي صورت في كرواتيا، ووضح منها فقر الإنتاج والإبداع، فضلاً عن محدودية الممثلين الذين لم يكونوا في أفضل حالاتهم الفنية، سواء بيومي فؤاد أو أحمد فتحي أو سامي مغاوري أو نسرين أمين، ومال أداء هشام ماجد إلى الانفعال الزائد، والعصبية، على عكس شيكو، ودارين حداد التي التزمت بحدود الشخصية رغم تقليديتها، وجاء اختيارها ملائماً للغاية.

كان الانفلات الدرامي سبباً رئيساً في «الهرج والمرج» الفني الذي ساد الثلث الأخير من الفيلم، حيث اختلط الحابل والنابل، وبدا وكأن المخرج سامح عبد العزيز فقد السيطرة على الجميع، وهو ما ظهر في مشهد الاستيلاء على «الكبسولة» المتحكمة في المناخ، وتكرر بشكل أسوأ في مشاهد «عم دسوقي» زعيم المافيا، والتلفيق الصارخ الذي استهدف التطويل، وإن تميز مشهد تحريك زعيم المافيا وهو ميت على شاكلة العرائس المتحركة، على عكس مشهد النهاية الفج الذي انتصر فيه الفريق الاستخباراتي، رغم هزاله وهزليته، وعاد بالجهاز إلى مصر مصحوباً بأغنية «حلوة يا بلدي» وتحية بلا معنى للفنانة رجاء الجداوي!