من المتوقع أن يبدأ البنك المركزي المصري خلال الساعات المقبلة أولى خطوات تعويم الجنيه مقابل الدولار، وهو القرار الذي تحدث عنه محافظ البنك طوال الفترة الماضية، لكن ظروف التضخم وانخفاض حجم احتياطي البلاد من النقد الأجنبي حالت دون ذلك.

واعتبر بنك الاستثمار "بلتون فايننشال"، لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع محافظ البنك المركزي طارق عامر، السبت، بمنزلة تأييد سياسي نهائي لقرار التعويم، متوقعا في مذكرة بحثية أن يصل سعر الدولار بعد التعويم إلى 11.5 أو 12.5 جنيها.

Ad

القرارات جاهزة للتنفيذ

وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربية.نت"، إنه لم يصدر قرار رسمي بتعويم الجنيه مقابل الدولار حتى الآن، لكن منذ فترة تدرس لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي الموضوع، وبالتأكيد توصلت إلى قرار خلال الساعات الماضية.

وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم ذكر اسمها، أن البنك المركزي لن يبدأ تعويما مفتوحا للجنيه المصري مقابل الدولار، لكن سيتم تطبيق سياسة التعويم المدار، ولكن حتى الآن لا توجد أي معلومات حيث يحاط الموضوع بكثير من التعتيم والسرية داخل البنك المركزي.

وكان بنك الاستثمار "فاروس" توقع الأربعاء الماضي خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأسبوع الجاري، قبل اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي المقرر عقدها من 7 حتى 9 الجاري.

وتوصلت مصر الشهر الماضي الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، مقابل التزامها بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي أحد بنوده تخفيض سعر العملة المحلية لتعكس قيمتها الحقيقية.

ويواجه البنك المركزي ضغوطا شديدة لخفض قيمة الجنيه، ويشن حملات رقابية مشددة على الصرافات للسيطرة على سعر الدولار في السوق السوداء، الذي قفز خلال الأيام الماضية فوق مستوى 13 جنيها، مقابل 8.88 جنيهات في البنوك.

سيناريوهات التخفيض

ووضع "بلتون فايننشال" جدولا زمنيا متوقعا لتنفيذ عملية تعويم الجنيه، يتضمن سيناريوهين، الأول التعويم الكامل للجنيه، والثاني خفضه من خلال طرح عطاء استثنائي لبيع الدولار، وهو ما يعلن بالتزامن معه تحول مصر لنظام سعر صرف أكثر مرونة، على أن ينتقل "المركزي" للتعويم الكامل بعد ذلك في غضون أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر.

وتضمن الجدول الزمني المتوقع موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على تقديم القرض لمصر بين 4 و9 أكتوبر، وهو الأمر الذي قال البنك إنه سيكون بمنزلة الصدمة الأولى للمضاربين في العملة.

وتوقع "بلتون فايننشال" أن يرتفع احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى ما بين 32.25 مليار دولار بحلول 6 نوفمبر، مع حصول مصر على ما بين مليار وملياري دولار من الصين، وملياري دولار أخرى من السعودية، إضافة إلى استلام الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، وحصيلة طرح سندات دولارية بما يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار في السوق الدولي.

احتياطي النقد الأجنبي

وكان البنك المركزي المصري أعلن في بداية الشهر الماضي أن احتياطي النقد الأجنبي ارتفع إلى 16.564 مليار دولار بنهاية أغسطس، مقابل 15.536 مليارا بنهاية يوليو، بزيادة نحو مليار دولار.

وأشار "بلتون فايننشال" إلى تصريحات محافظ البنك المركزي السابقة بأنه يمكنه تعويم الجنيه فقط عندما تصل احتياطيات النقد الأجنبي إلى 25 مليار دولار.

وتوقع بنك الاستثمار أن يشن البنك المركزي هجوما على السوق السوداء بين 9 أكتوبر و17 نوفمبر، من خلال التنسيق مع البنك الأهلي وبنك مصر لرفع أسعار الفائدة على شهادات الاستثمار فئة الثلاث سنوات ما بين نقطتين وثلاث نقاط مئوية، ليقفز فوق مستوى 15 في المئة سنويا، أو عقد اجتماع طارئ للجنة السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة بنفس النسبة.

وثبت البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسات النقدية الأخير، الخميس قبل الماضي، عند 11.75 في المئة للإيداع و12.75 في المئة على الإقراض، مخالفا توقعات بنوك الاستثمار برفعها ما بين نصف نقطة مئوية و3 نقاط.

معنى «التعويم»

علمياً، تعويم سعر صرف الجنيه، هو أسلوب في إدارة السياسة النقدية، ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقا لقوى العرض والطلب في السوق النقدي، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعا لمستوى تحرر اقتصادها الوطني وكفاية أدائه ومرونة جهازها الإنتاجي.

وتضم سياسة التعويم نوعين، الأول "التعويم الحر"، ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنوك المركزية في هذه الحالة على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير.

ويتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، مثل الدولار الأميركي والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري، لكن لا يكون مجدياً أو يمكن الاعتماد عليه في الحالة المصري التي يعاني اقتصادها العديد من الأزمات، ولم تتحول بعد إلى دولة منتجة ترتفع صادراتها عن وارداتها.

والنوع الثاني من التعويم هو "التعويم المدار"، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقا للعرض والطلب مع تدخل البنك المركزي كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، استجابة لمجموعة من المؤشرات، مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية.

10 خطوات لحل الأزمة... و«التعويم» ضرورة

حدد خبراء ومحللون اقتصاديون 10 محاور لحل أزمة الدولار، التي يشهدها السوق المصري، والتي تبدأ بتعويم الجنيه مقابل الدولار.

وقال المحلل المالي، محمد رضا، إن "ثاني هذه الخطوات يتمثل في إدارة المعروض لا تحجيم الطلب لتداول الدولار الأميركي، مع تسعير الجنيه بقيمته الحقيقية للقضاء على سعرين للدولار، وتوفير كل احتياجات السوق من الدولار".

وأضاف "هذا بخلاف إلغاء القيود المفروضة على تداول الدولار بالسوق المحلي، مع إلغاء القيود على تحويلات الدولار للخارج، ووقف نزيف الاحتياطي النقدي والعمل على زيادته، والاتجاه نحو أسعار فائدة منخفضة، وأيضاً تحجيم إصدارات أذون وسندات الخزانة بالجنيه المصري، وضرورة الاتجاه نحو سياسات نقدية تدعم السياسات المالية للاقتصاد المصري".

وأوضح رضا في حديثه لـ"العربية.نت"، أن اعتماد البنك المركزي المصري على سياسة توفير احتياجات السوق المحلي من الدولار الأميركي، من خلال الاقتطاع من الاحتياطي النقدي، تسبب في نزيف حاد لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، مع استمرار اعتماده على آلية العطاءات من خلال سوق الإنتربنك الدولاري لتوفير الدولار، وتثبيت سعر الجنيه أمام الدولار عند مستوى غير حقيقي.

وانتهت هذه السياسات إلى عدم توافر الدولار، وتراجع حجم الاحتياطي النقدي، وبدلاً من قيام "المركزي" بالحفاظ على الاحتياطي النقدي، والبحث عن مصادر تمويلية أخرى لتلبية احتياجات السوق، وضع إجراءات صارمة لتداول الدولار، ووضع نفسه مصدرا رئيسيا لتمويل احتياجات السوق من الدولار، في الوقت الذي لا يمتلك فيه "المركزي" السيولة الدولارية الكافية لتلبية احتياجات السوق.

وكانت النتيجة استنزاف الاحتياطي النقدي، إضافة إلى أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لكبح السوق السوداء للدولار في ظل عدم توافر الدولار، وفي ظل عدم قدرته على تلبية احتياجات السوق من الدولار أدت إلي عرقلة قدرة الشركات على استيراد المكونات الوسيطة والمواد الخام من الخارج، مما أدى إلى تعثر نمو الاقتصاد المصري والدخول في حالة كساد، وتوقف العديد من المصانع والمؤسسات.

وتابع رضا: "السياسة النقدية لمصر بحاجة إلى إدارة المعروض لا تحجيم الطلب للسيولة الدولارية، وتسعير الجنيه بقيمته الحقيقية، وإلغاء القيود المفروضة على تداول الدولار بالسوق المحلي، وإلغاء القيود على تحويلات الدولار للخارج، ووقف نزيف الاحتياطي النقدي، وزيادة الاحتياطي النقدي، والاتجاه نحو أسعار فائدة منخفضة، مع تحجيم إصدارات أذون وسندات الخزانة.

لذلك يجب تسعير الجنيه بقيمته الحقيقية وصولاً إلى قيمته الحقيقية أو العادلة عن طريق السوق دون أي تدخل من البنك المركزي المصري، والحفاظ على الاحتياطي النقدي بدلاً من وجود سعرين للدولار، سعر معلن من البنك المركزي أقل من السعر الحقيقي، وسعر في السوق السوداء أعلى من الحقيقي، من خلال إدارة المعروض لا تحجيم الطلب في السوق الدولاري، مع ضرورة إلغاء كل القيود المفروضة على تداول الدولار في السوق المحلي، وكذلك إلغاء كل القيود على تحويلات الدولار للخارج.

وأن يترك تحديد سعر الجنيه لقوى العرض والطلب بالسوق، وهو ما يطلق عليه التعويم، وذلك من خلال تعويم تدريجي للدولار أمام الجنيه عبر خطة زمنية معلنة، وسيؤدي ذلك إلى توفير مصادر تمويلية للدولار لتلبية احتياجات السوق بعيداً عن استنزاف الاحتياطي النقدي، وسيكون لذلك مردوداً إيجابياً على ارتفاع جاذبية السوق المصري، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة الصادرات، وعودة تحويلات المصريين بالخارج، مما سينعكس على تحفيز النمو وزيادة الاحتياطي المصري من العملات الأجنبية.

ماذا يعرف المصريون عن «التعويم»؟

علمياً، تعويم سعر صرف الجنيه، أسلوب في إدارة السياسة النقدية، ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدي، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها الوطني وكفاية أدائه ومرونة جهازها الإنتاجي.

وتضم سياسة التعويم نوعين، الأول هو "التعويم الحر"، ويعني أن يترك "المركزي" سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنوك المركزية في هذه الحالة على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير.

ويتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، مثل الدولار الأميركي، والجنيه الإسترليني، والفرنك السويسري، لكن لا يكون مجدياً أو يمكن الاعتماد عليه في الحالة المصري التي يعاني اقتصادها من العديد من الأزمات ولم تتحول بعد إلى دولة منتجة ترتفع صادراتها عن وارداتها.

والنوع الثاني من التعويم هو "التعويم المدار"، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقاً للعرض والطلب مع تدخل البنك المركزي، كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية.

في عام 2003 لجأ رئيس الوزراء المصري السابق د. عاطف عبيد إلى تطبيق هذا النوع من التعويم بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بأكثر من 50 في المئة، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 3.70 حنيهات إلى نحو 5.40 جنيهات مرة واحدة، ما دفع الحكومة إلى التدخل في ذلك الوقت.

وغالباً ما يتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في بعض البلدان الرأسمالية ومجموعة من البلدان النامية التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار، أو الجنيه الاسترليني، أو الفرنك الفرنسي أو بسلة من العملات، وهو الأسلوب المتبع حالياً من قبل البنك المركزي المصري.

ويعني ذلك أنه في حالة زيادة الطلب على الدولار في سوق النقد الأجنبي، فإن معدل سعر صرف الدولار يميل نحو الارتفاع، وإذا ما انخفض الطلب على الدولار فإن معدل سعر صرفه يميل نحو الانخفاض، ويعني ذلك أن معدل سعر صرف الدولار سيخضع لموجات الطلب والعرض، وترتفع وتنخفض وفقاً لقاعدة العرض والطلب.

وتكون الحكومة ممثلة في "المركزي" هي الجهة التي تقوم بتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، أو ما يمكن تسميته بسعر الجنيه المصري للحفاظ على توازن الاقتصاد.

وفي حالة مصر ومع تعويم الجنيه مقابل الدولار، فإن المستهلك المصري هو المتضرر الأول من ذلك، حيث تستورد مصر أكثر من 60% كم إجمالي استهلاكها من جميع السلع والمنتجات، ومع قيام الحكومة بتعويم الجنيه فإن ذلك سيتسبب في موجات صعبة من ارتفاعات الأسعار، وبالتبعية سترتفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.