كم أشعر بالسعادة عندما أجلس إلى ذلك الصوت القادم من أعماق الماضي بكل صدق ومحبة، يقرأ الأحداث وكأنها كتاب يقلب الزمن صفحاته أمام ناظريه، يشعر بكل كلمة ينطقها قلبه قبل لسانه، يبتسم عندما يستدعي الموقف ذلك، ولكنه يشعر بألم دفين عندما تتبادر إلى ذهنه أحداث مؤلمة.

أخذ تنهيدة من أعماق الفؤاد وعاد بالماضي قائلا: "عملت في فترة من حياتي عند إحدى العائلات الكويتية الكريمة التي كانت تعمل بالصرافة والتجارة بالذهب، وكانت مهمتي نقل صناديق سبائك الذهب من مكان ورودها لإيصالها إلى مالك الشركة، حيث يتم تفريغها، ثم أقوم بنقل الصناديق الخشبية الفارغة لرميها في منطقة المياص التي تقع في مكان ضاحية عبدالله السالم الآن.

Ad

وفي إحدى تلك المرات، وبعد أن تم تفريغ السبائك أخذت الصناديق وأثناء رميها لاحظت وجود قطعة من الذهب يبدو أنها انكسرت من إحدى السبائك، فأخذتها وعدت أدراجي، حيث قمت بتسليمها إلى صاحب الشركة وسط دهشته من هذه الأمانة، ولم يكن هناك رقيب علي إلا احترامي لنفسي.

لله درك أيها الصوت القادم من أعماق الماضي، فأين نحن الآن من ذلك الزمان، وقد غدت الأمانة عملة نادرة، وتم تطبيق المثل الكويتي القائل "كل من صادها عشا عياله" وعلى كل المستويات؟!

أدار الزمن صفحة أخرى من صفحاته، فعادت به الذاكرة إلى تلك الفترة التي عمل فيها لدى شركة نفط الكويت البريطانية التي تأسست عام 1934، وكان لها الحق الحصري في التنقيب عن البترول في الأراضي الكويتية، وكانت الشركة تملك ثلاث شاحنات ضخمة لنقل الأنابيب التي تم تمديدها عبر الصحراء لنقل النفط من الحقول إلى مناطق التخزين، وكان يتولى قيادة إحداها أما الشاحنتان الأخريان فيتولى قيادتهما اثنان من أصدقائه.

بعد فترة من ذلك العمل المضني، وبعد أن جاب الصحراء الكويتية بأبعادها ترك العمل المضني وعاد للعمل داخل السور لدى إحدى الشركات لقيادة إحدى سياراتها، ونظرا لأن رخصة القيادة التي يستخدمها صالحة فقط للقيادة خارج السور، لذا عليه أن يجري فحصاً آخر يسمح له بالقيادة داخل السور، وكان المشرف على إجراء ذلك الفحص سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح تغمده الرحمن بواسع رحمته ورضوانه، وكان في بداية حياته العملية: "جلس بجانبي رحمه الله وذهبت إلى حيث يتم الفحص في إحدى السكيك الضيقة، ومن يتجاوزها دون أن يصدم بالحائط يحصل على الترخيص، ونظرا لخبرتي الطويلة في قيادة الشاحنة، فقد كانت قيادة السيارة الصالون سهلة وعليه فقد حصلت على الترخيص".

كان يتحدث بفخر واعتزاز وعشق لهذا الوطن الغالي، وعانى كحال أهل الكويت قسوة الحياة في ذلك الوقت، وكان يردد دائما أهل الكويت هم من بنوها، كان منهم الحداد والنجار والقصاب والبناي والخياط والجزاف والسائق والحواي والبحار والغواص والقلاف والشرطي والملا وغيرهم، يتسابق الجميع في خدمة الديرة وأهلها، ولم تكن الكويت قد عرفت بعد العمالة الوافدة... عمار ياكويت وهنيئا لك حب أهلك لك.

ودعاؤنا إلى المولى القدير أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.