تبعات قانون «جاستا»!
الموقف من قانون «جاستا» يجب أن يتجه إلى الواقعية السياسية ويبتعد عن بعض التحليلات الانفعالية أو التقليل من شأن تبعات هذا القانون، أو السياسة الأميركية الجديدة بطريقة سطحية، ففي عالم السياسة يفترض أن تستغل الوسائل والأدوات المختلفة بهدوء وعقلانية، ودول الخليج ما زالت تملك الكثير من الأوراق الناجحة في هذا الشأن.
قانون "جاستا" لم يناقش من قبل المحللين العرب عموماً والباحثين في منطقة الخليج خصوصاً، في بعده السياسي والاستراتيجي، فقد جاءت ردود الفعل على المبالغ المالية التي قد تستقطعها المحاكم الأميركية من الأرصدة السعودية في الولايات المتحدة لمصلحة أسر الضحايا في أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وقد يكون الهدف بالفعل هو التحصيل المالي من أموال السعودية في الولايات المتحدة وبمبالغ ضخمة بل خيالية، إلا أن الإجراءات القانونية والفنية في هذا الصدد قد تستغرق سنوات قادمة، ومن الممكن أن تتخللها ضغوط وتحركات سياسية متفاوتة في مقاصدها ومراميها.إلا أن قانون "جاستا" وهو اختصار لعبارة "العدالة ضد الإرهاب" يحمل بعداً سياسياً مهماً يسعى إلى فرض الهيمنة الأميركية على دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية، حيث يحمّل القانون مسؤولية الأعمال الإرهابية المباشرة منها وغير المباشرة، وعبر التنظيمات أو الأفراد، للحكومات، ويشمل ذلك كل أشكال دعم الإرهاب وتشجيعه وممارساته وتطبيقاته بما فيها الفكر والثقافة ومناهج التعليم، ولهذا فإن المملكة العربية السعودية ستكون أول من يطبّق عليها مثل هذا القانون.
البعد السياسي للقانون ينعكس أيضاً في الحالات النادرة التي يتغلب فيها الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب على فيتو الرئيس، وتمثل هذه الأغلبية الكاسحة التي جمعت كل تناقضات الحزبين الديمقراطي والجمهوري، التوجه السلبي للرأي العام الأميركي ضد العرب والمسلمين، أضف إلى ذلك أن قانون "جاستا" في حال بقائه، وهو الأمر المرجح، سيكون سيفاً سياسياً مصلتاً على رقاب خصوم الولايات المتحدة، حالياً ومستقبلاً، بمن في ذلك أقرب الحلفاء مثل السعودية بعد فك الارتباط معها كما هو حاصل الآن.قانون "جاستا"، وكما تعكس مواده، قد لا يستهدف السعودية لوحدها، ولكن سياق الأحداث وتطورها فيما يخص العلاقات الأميركية-السعودية من جهة والاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط من جهة أخرى، يعكس طبيعة تدهور التحالف الاستراتيجي الممتد لسبعين سنة بين الطرفين وتدرجه، مع تراجع الاهتمام الأميركي بمنطقة الخليج بشكل ملحوظ، وقانون جاستا يأتي في توقيت سياسي ضاغط وظروف اقتصادية صعبة تعانيها دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، وبقاء معظم الملفات الإقليمية الساخنة في العراق وسورية واليمن مفتوحة على مصراعيها لكل الاحتمالات السلبية، وقرب الانتخابات الرئاسية الأميركية بمرشحين أعلنا مواقف متشددة ضد دول الخليج بشكل واضح.يبقى أن الموقف من قانون "جاستا" يجب أن يتجه إلى الواقعية السياسية ويبتعد عن بعض التحليلات الانفعالية أو التقليل من شأن تبعات هذا القانون، أو السياسة الأميركية الجديدة بطريقة سطحية، ففي عالم السياسة يفترض أن تستغل الوسائل والأدوات المختلفة بهدوء وعقلانية، ودول الخليج ما زالت تملك الكثير من الأوراق الناجحة، ولكن عليها بشكل جاد ومنظم إعادة رسم بنية علاقاتها الإقليمية والدولية وفق أدوات الدبلوماسية الناعمة والتفكير في بناء تحالفات واستراتيجيات جديدة ليست قادرة على امتصاص هذه الضغوط المتزايدة فحسب وإنما البدء بعهد جديد ينسجم مع تطلعات شعوبها وطموحاتها.