حرصت على متابعة المناظرة الأولى بين هيلاري كلينتون وترامب صباح يوم الثلاثاء 28 سبتمبر 2016، ثم تابعت التعليقات على المناظرة على قناة "سي إن إن" التي يبدو أنها مع كلينتون، وقناة "فوكس" التي يبدو أنها مع ترامب، وأعتقد أن أي مشاهد محايد لا بد أنه فوجئ بما قيل بين المناظرين، ثم كيف يوجه الجمهور في كلا الاتجاهين من قبل وسائل الإعلام.قبل التعليق على المناظرة لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الولايات المتحدة سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا لا يستطيع أن يخرج عن السياسة العامة والمبادئ الأساسية للبلاد، والتي يضعها في الأساس أصحاب المصلحة العليا فيها، وهم يمثلون مجموعة المصالح والأعمال الكبرى في الولايات المتحدة. قد يختلف الرؤساء من الحزبين في الأساليب والأولويات لكنهما لا يغيران في المبادئ والسياسات الأصلية، وما نراه في الانتخابات من تنافس هو في من يخدم هذه المبادئ والسياسات أكثر من غيره.
المناظرة كانت مريعة بالنسبة إلي لأني لا أعلم كيف يختار المواطن الأميركي رئيسه بعدما ظهر من عيوب ومخالفات قام بها كل مرشح، ويستعصي عليّ وربما على غيري ألا يكون أمام الناخب أي خيار آخر غير هذين المرشحين، أي أن على الناخب أن يختار الأقل سوءا أو الأكثر سوءا حسب المزاج العام أو الأكثر وعودا لفئات معينة. كانت المناظرة قدحا وفضحا لكل مخالفات المرشحين، وقد تفوقت هيلاري كلينتون على ترامب لأن الأخير لم يترك مخالفة لم يرتكبها، ولعل علو صوته ومواقفه الخارجة كانت لإخفاء هذه المخالفات التي أبدعت هيلاري في كشفها. وقد حاول ترامب إثارة قضية "داعش" ودور الإدارة الأميركية بقيادة أوباما ومشاركة هيلاري، ولكنه لم يوفق في كشف أسرار هذه المشكلة التي تدمر بلاد العرب، وكنت أتوقع أن يسألها عن سر قوة "داعش" التي لم تقهرها حتى الآن قوى تحالف 40 دولة والقوة الجوية الروسية، وكيف سمحت هذه الدول لطيران الحكومة السورية بتدمير مدن سورية وقتل أكثر من ربع مليون من شعبها وتهجير الملايين خارجها، وترويع من بقي منهم كل يوم منذ خمسة أعوام دون اقتلاع "داعش"؟ كان بإمكان ترامب رد الصاع صاعين، لكنه أشار إلى الموضوع من بعيد لأنه هو الآخر لا يستطيع انتقاد سياسة عامة للولايات المتحدة، ولأنه لو أصبح رئيسا للولايات المتحدة فلن يغير في مسار هذا الوضع القائم حتى يصل إلى مرحلة تقاسم الغنائم.استفزني بالطبع ترامب وهو يطلب من اليابان والسعودية دفع فاتورة دفاع الولايات المتحدة عنهما، فيبدو أنه يجهل أن الولايات المتحدة لا تدافع عن أحد لوجه الله، وأن ما تكسبه من دعمها لأي دولة يفوق أي تصور، ولكني في الوقت نفسه وجدته صريحا لم يكذب في الدفاع عن مصالحه أو في التهرب من التزاماته أو في الدفاع عن الأغنياء. هيلاري كانت هادئة ومركزة وتغدت به قبل أن يتعشى بها.وسائل الإعلام الرئيسة اختارت ما يعضد مرشحها وابتسرت من المناظرة ما يناسبها لإفساد حجج المرشح الآخر، وتحويل فشله إلى انتصار في عمل محبوك وممنهج لتضليل الناخب وتوجيهه للوجهة التي تناسبها. هل تفوز هيلاري أم يفوز ترامب؟ لا فرق... لقد أمتعاني بنشر غسيلهما، وأعتقد أن الشعب الأميركي قد تعود على هذا الغسيل، وعليه في النهاية أن يختار ببن الاثنين بغض النظر عن درجة نظافة الغسيل.
مقالات
مناظرة مرشحي الرئاسة الأميركية
04-10-2016