شاركت في المعرض العام في قصر الفنون في القاهرة أخيراً في دورته الـ38، ما تقييمك لهذه التجربة؟

مشاركتي في المعرض العام مدخل جديد لي أتمنى أن يثمر طرحاً جديداً ومختلفاً لتجربتي الفنية في المرحلة المقبلة. شاركت بعمل تصوير بخامة الإكريليك على كانفاس بمساحة 240 سم × 120 سم. تعمدت الزهد اللوني، فاستعملت الرمادي ودرجة من درجات الأبيض من خلال تكرار عنصر هندسي واحد محاولة نثره لينتصر على الفراغ في حالة واحدة مركزة على التكثيف في مركز العمل والتلاشي نحو الخارج بالتدرج في الشفافية في حدة الأبيض، لتفرض الشكل على المساحة، وتؤكد حتمية الزوال والتسليم أنه لا وجود في الحياة للأمور الثابتة، هي ديمومة الحياة {ميلاد ورحيل}.

Ad

نلحظ لك مشاركات جماعية عدة في الفعاليات الكبرى، فما الذي تضيفينه إلى الفنان؟

ترصد الفعاليات الجماعية الكبرى واقع الحركة التشكيلية سواء داخل مصر أو خارجها، كذلك تحدّد المشاركات الجماعية موقعي داخلها، حيث الحضور المكثف لتجارب فنية كثيرة، لذا أتعمد خلالها دائماً المشاركة بعمل يحمل جديداً ويصنع جملة مكتملة تصلح للعرض وحدها، ويكون لها حضور قوي مقنع لجذب الانتباه، على عكس المعارض الفردية الخاصة التي يمكن فيها أن ترى الأعمال جميعها كجملة تكتمل برؤية المعرض ككل. فضلاً عن أنها تجربة ثرية على صعيد تبادل التجارب بين شريحة كبيرة من الفنانين على مستوى الكم والمضمون، وهي مجال لابتكار أدوات للحوار بين أصحاب الاتجاهات الفنية المتعددة في إطارها الصحيح، وفرصة للوصول بأعمالي إلى شريحة كبيرة من المهتمين.

لماذا اخترت مجال الغرافيك كوسيط للتعبير عن إبداعك؟

بدأ الأمر مصادفة. لم أتابع الغرافيك في دراسة أكاديمية منتظمة في كليات الفنون، بل كانت دراستي في كلية التربية النوعية، حيث يغيب هذا المجال. لو كان الغرافيك متاحاً في كليتي لاخترت دراسته، ولكنني تناولت النحت في الماجستير والدكتوراه من زوايا قريبة جداً لأفكاري وممارساتي في الفن. من خلال دراستي الفن في مرسم أستاذي الفنان عبد الوهاب عبدالمحسن تعلمت تقنيات الغرافيك ووسائطه وخاماته، وشكلت تلك المرحلة مفهومي عن الفن وقربي وانشغالي بمجال الغرافيك كوسيط للتعبير من خلاله.

خلال رحلتي مع الفن أدركت أن الفنان مفكر عليه إيصال فكرته في حينها من خلال أي وسيط وتقنية وخامة تحقق له ذلك. قدمت سابقاً أعمالاً في مجال التصوير والرسم والنحت والخزف، رغم أن اهتمامي الأكبر بمجال الغرافيك وعشقي له، إذ عُرفت من خلاله وحققت جوائز عدة على مدار تجربتي خلال العشرين سنة الماضية التي كان شاغلي الأول خلالها العمل على تطوير تجربتي الفنية عبر أية وسائط، فتتملكني أحياناً فكرة تحتاج إلى أدوات أخرى غير أدوات الغرافيك، فألجأ إليها لأنني لم أحدد لنفسي تقنية أو وسيطاً بذاته لترجمة أفكاري وتأملاتي والتعبير عنها، خصوصاً أن التقنيات والخامات في تطوّر دائم، وأصبحت منبعاً أكثر ثراءً للفنان لإيجاد صياغات أكثر حداثه.

برأيك، هل ما زال فن الغرافيك مظلوماً فنياً مقارنة بالمجالات الأخرى؟

يعاني الغرافيك الظلم طبعاً، لأن المؤسسات الفنية كافة لا تشجعه، ويتم تجاهله في الاقتناء، لذا تراجع كثير من الفنانين عن المشاركة به وممارسته واتجهوا إلى مجالات أخرى، فالمقتني يريد عملاً لا يملك مثله أحد غيره، رغم أن النحت والغرافيك مستنسخان، فلماذا نرفض نسخ الغرافيك ونرحب جداً بنسخ النحت؟

اللغة والطبيعة والمرأة

لكل فنان لغته الفنية التي تعد محصلة تجاربه وقراءاته ومشاهداته، فكيف تشكلت لغتك، وبمن تأثرت من الفنانين؟

استدرجتني الطبيعة فشكلت لغتي في الفن، أدركت منذ بداياتي الأولى أن الطبيعة هي أول مصدر للإلهام، وهي متغيرة ومتقلبة لا تثبت على حال، لذا حملت لي كل يوم الجديد لتتغير معه رؤيتي البصرية وتتطوّر لغتي التشكيلية، خصوصاً أنني أعيش في منطقة تتمتّع بسحر الريف وقرب البحر، وعلمني الفنان عبد الوهاب عبد المحسن أنا وزملاء المرسم كيف نتواصل مع معطياتها ونعيشها ونتعمّق فيها لتطوير صياغاتنا بالثقافة والمشاهدة أثناء رحلاتنا الدائمة في الخلاء ومشاهدة الحقول والمراعي الخضراء، وبالطبع ثمة فرق بين التأثر والتبعية.

التأثر بالآخرين أمر وارد ومقبول ولا نرفضه، ولكن يجب أن تكون لدى الفنان نظرته الخاصة وطعمه المميز، وأنا طوال مراحلي أقاوم أن أكون تابعاً، ولكن الكائن الحي يعيش حالة من حالات التأثر الجميل، فالفنان كونه إنسانا أولاً حينما يرى إنساناً فرحاً يفرح وإذا رأى آخر حزيناً تنتقل إليه حالة الحزن. إنها عدوى لأن الإنسان بطبعه كائن مشارك. أطلع على تجارب الآخرين للتثقيف، ولكن الهم الرئيس لي دعم تجربتي بالبحث الدائم عن خصوصية تميزها.

يرى البعض أن فنون الحداثة وما بعدها ربما تؤثر في الكلاسيكية القديمة. كفنانة شابة كيف تنظرين إلى وجهة النظر هذه؟

كل مرحلة من التجربة الإبداعية بعد ثباتها وصمودها تتحوّل مع الزمن إلى كلاسيكيات، لذا يجب على الفنان أن يكون دائم البحث عن الجديد، وكل جديد في أوانه حداثة، وكل مغامرة في الفن حداثة حتى إن كانت ارتدادات لمفاهيم قديمة، فهي حداثة في وقت تنفيذها، لأنها تواكب زمن فعلها. يجب أن تكون التجربة الإبداعية مواكبة لإيقاع العصر الذي نعيشه كي نطلق عليها حداثة.

من خلال معارض المرأة العربية، هل نستطيع القول إنها امتلكت ملمحاً خاصاً بها في عالم الفن التشكيلي؟

الفن النسوي موجود بدلالات وملامح تميّزه خارج حدود المنطقة العربية، حيث تحاكي موضوعاته قضايا المرأة وخامات خاصة وحساسيتها في التناول. في المنطقة العربية، تناول قضايا المرأة وواقعها الفنانون والفنانات على حد سواء، وهنا لا نستطيع التفرقة بين فن المرأة وفن الرجل، لأن التميزات الشخصية قليلة، حيث تتنافس المرأة مع الرجل لإثبات وجودها وموازاتها معه في كل شيء.

كيف تتعاملين مع الألوان، وهل ترين أن أهمية اللون تفوق الفكرة في اللوحة أم العكس؟

أتعامل مع اللون بالشكل الذي تقودني إليه الفكرة، فقد تحتاج إلى الألوان القوية أو الباردة، أو تكثيف حالة إبهار اللون أو اختزاله وزهده حينما أشعر بأنه سيكون عبئاً على ترجمة الفكرة، فقد مرت تجربتي خلال العشرين سنة الماضية بمراحل عدة استخدمت خلال مرحلة منها اللون بكثافة فاحتوى أحياناً العمل على أكثر من 15 لوناً، كما في معرضي سنة 1998، حيث أطلقت عليه {ثرثرات لونية}، وكان اللون هو السيد والعنصر الرئيس في بناء العمل، ومنذ 2006 تطوّرت تجربتي إلى زاوية جديدة اعتمدت خلالها لغة مختصرة في بناء العمل فاختزلت العناصر والتفاصيل، والألوان، واعتمدت {مونكروم} الألوان الرمادية فحسب.

في سطور

عضو لجنة الفنون التشكيلية في المجلس الأعلى للثقافة، تخرجت عام 1995، وحصلت على دكتوراه في مجال النحت عام 2012 من جامعة القاهرة، قدمت 13 معرضاً فردياً، بالإضافة إلى مشاركات جماعية عدة، كذلك مثلت مصر في معارض دولية وبينالات عدة.

نالت خمس جوائز عبر مشاركتها المتتالية في صالون الشباب، كذلك حصلت على الجائزة الكبرى في آخر دورة لبينالي الغرافيك القومي، واختيرت أعمالها لتمثّل القارة الإفريقية في معرض لفنون الغرافيك في بولندا.