زارني في مكتبي بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أحد الأصدقاء، وهو صاحب دور نشر كويتية معروفة. طلبتُ له "استكانة" شاي. لكن قبل أن يصل الشاي ارتفع صوته بشكواه: "الوضع ما عاد يُطاق".

كان يتكلم بحماس عن الرقابة في معرض الكتاب القادم: "مجموعة كبيرة من دور النشر العربية مستاءة جداً من كمية الكتب التي أخبرتهم إدارة الرقابة بمنعها".

Ad

كنتُ أستمع إليه باهتمام، فأضاف: "تاريخياً، دور النشر العربية تهتم كثيراً بمعرض الكويت. لكن، الوضع أصبح في السنوات الأخيرة يثير الكثير من علامات التساؤل. فلا يُعقل أن تلغي جميع دول الخليج الرقابة، فيما يزداد الرقيب الكويتي تشدداً. صرنا كناشرين كويتيين نخجل من زملائنا الناشرين العرب، وخاصة في اتحاد الناشرين العرب، فهم يتوقعون دوراً مؤثراً لنا كناشرين، وهم أيضاً يتوقعون دوراً منكم ككتّاب".

سكت هو فجأة وراح ينظر إليَّ وكأنه يطمح إلى رأي مني. ابتسمت له، وقلت: "لا أظن أن كاتباً يقف مع الرقابة، فالإبداع حرية في جوهره، والكاتب ضمير لأهله ومجتمعه. كما أن الرقابة ما عادت تليق باللحظة الإنسانية التي نحيا، ويجب ألا تبقى تسيء لسمعة الكويت الثقافية".

صديقي الناشر ظل ينظر إليَّ، فأوضحت: "لا أحد مع كتاب يمس الذات الإلهية، أو يتعرض للأديان، أو يمس الذات الأميرية، أو يدعو للفرقة الاجتماعية. مؤكد أن الكاتب الكويتي يدرك تماماً حدود حريته، وهو كذلك يدرك قدرة الناس على تمييز الغث من السمين".

"لا يعقل أن يقرر رقيب منع رواية بسبب كلمة يرى من وجهة نظره أنها فاحشة".

تدخل صديقي معلقاً. فأضفت قائلاً: "أتفق معك تماماً. فإن لم يكن من الممكن إلغاء الرقابة، فمؤكد أن آلية عمل إدارة الرقابة التابعة لوزارة الإعلام بحاجة لإعادة النظر. وهي بحاجة للخروج من رأي الرقيب، وكذلك تأخير البت في الفسح لمدة تتجاوز نصف السنة، كما حدث أخيرا في رواية الزميل وليد الرجيب".

سكتُّ أنظر لصديقي، ومتأثراً جاءني صوته: "أحب الكويت وطني، ومؤكد أنني لن أدفع بنشر كتاب يسيء إليه، لكن الأمر تجاوز كل المعقول. عشرات الكتب؛ روايات ومجاميع قصصية ودواوين شعرية ودراسات فكرية، تُمنع في الكويت، وهي متاحة بجميع الدول العربية، بل هي متاحة في معارض جميع دول مجلس التعاون، ولا أظن أن القارئ في أي دول عربية أكثر وعياً من القارئ الكويتي".

نظرت إليه وقد انتقل ألمه إليَّ وقلت: "انطلق معرض الكويت للكتاب عام 1975، وهو ثاني معرض كتاب عربي، وفي يوم ما كان مزاراً لأهل الخليج، وكان عنواناً لانفتاح الساحة الثقافية الكويتية على كل الأطياف الفكرية والإبداعية العربية، ومؤلم جداً أن ينكسر أو يتضعضع".

"ما العمل؟"

حادٌ انتصب السؤال بيننا. تلاقت نظراتنا، فقلت له: "تاريخياً الإنسان الكويتي مجبول على حب الثقافة، وهو على وصل بالجديد الفكري والأدبي والفني. ومؤكد أن الكويت ليس أقل من أي قُطر عربي. بل إننا نضاهي بتجربتنا الديمقراطية الرائدة وبسقف الحرية العالي الذي يتمتع به الإنسان الكويتي، وهذا معروف للقاصي والداني".

"مطلوب وقفة ثقافية جادة في حب الكويت" قاطعني، وأضاف: "نحن على الأبواب من انعقاد معرض الكويت للكتاب في نوفمبر المقبل. ونتمنى أن يتم تدارك الأمر في معالجة الموضوع".

بقيت أنظر إليه، فأوضح وكأنه يطلعني على سرٍّ: "لي زملاء في اتحاد الناشرين العرب وهم على استعداد للقدوم إلى الكويت ومقابلة وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب، لشرح خطورة الوضع، وعزم مجموعة من الناشرين العرب على مقاطعة معرض الكويت للكتاب".

انتبهت إلى أن صديقي لم يمس الشاي. ابتسمتُ له، وقلت: "الرقابة من مخلفات الماضي. ما عاد من أحد يمكن أن يمنع كتاباً، فأي كتاب يصلك خلال 48 ساعة لعنوان بيتك ودون جهد كثير".

"لكنها سمعة الكويت الأحب".

"أتفق معك" قلت له، وبودّ قلت: "نأمل بغدٍ أجمل".

* * *

ملاحظة، احتفظ باسم صديقي الناشر لأي مسؤول في وزارة الإعلام أو المجلس الوطني يودّ مقابلته.